كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

سبع وسبعون سنة ما أطولها، ولكن ما أطولها حين تنظر إليها من أولها وما أقصرها الآن من آخرها. إنها كالعطلة الصيفية للطالب: تكون ثلاثة أشهر حين تبدأ، ولكن في آخر يوم منها لا تكون ثلاثة أشهر بل يوماً واحداً. كالمرتّب للموظف: عشرة آلاف حين يقبضه ولكن عند آخر مئة ريال تبقى منه يكون راتبه مئة ريال فقط.
فأنا ما عشت سبعاً وسبعين، بل خسرت من عمري سبعاً وسبعين.
والعبرة بالنتيجة، فماذا تكون نتيجة هذا الامتحان حين تُنشَر الصحف وتُعلَن النتائج؟ هل أتلقّى صحيفتي بيميني أم بشمالي أم من وراء ظهري؟ الأمر بيد واحد، هو يقرّر ما يراه وهو ينفّذ ما قرّره، لا يستطيع أحد أن ينقض قراره. ليس بعده استئناف ولا تمييز وما لحُكمه نقض. إنه عادل: إذا عاملني بعدله وأعطاني ما أستحقّ فيا خسارتي ويا نتيجة ظلمي نفسي! ولكنه رحيم رحمن، إن أولاني رحمته نجوت.
إن طبق عليّ قانون: {لها ما كَسبَتْ وعليها ما اكْتَسبَتْ} فيا ضيعة علي الطنطاوي! ولكن ينجّيني قانون: {ربَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسينا أوْ أخطأنا}. إني والله أخشى ذنبي ولكن لا أيأس من رحمة ربي، وآمل أن تنفعني إن متّ صلاة المؤمنين عليّ ودعاء من يحبني. فمن كان قرأ لي شيئاً أو استمع مني شيئاً فمكافأتي منه أن يدعو لي، ولَدعوةٌ واحدة من مؤمن صادق في ظهر الغيب خير من كل ما حصّلت من مجد أدبي وشهرة ومنزلة وجاه، ومن

الصفحة 90