كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

أقرأ في كل علم: في التفسير، وفي الحديث، وفي الفقه، وفي التاريخ، وفي الأدب: الأدب العربي والأدب الفرنسي، وفي العلوم على تنوّعها وتعدّدها.
ولا أزال والحمد لله أستوعب خلاصة وافية لِما قرأت. ما كنت أنسى شيئاً فصرت الآن أنسى أفراد المسائل: أنسى الأرقام وأنسى الأسماء، ولكنني أحفظ المسألة. لقد تمكّنت في نفسي الأصول وإن غابت منها الفروع، فتحوّل الحفظ إلى مَلَكة.
قرأت من دواوين الشعراء عشرات وعشرات، ومن كتب الأدب أكثرَها، ومن القصص الفرنسية والمترجَمة عن الإنكليزية والروسية ولغات الأرض كلها مئات. نعم مئات، لا يزال أكثرها عندي.
وكتبت ما لم يكتب أكثرَ منه ممّن أعرف إلاّ قليل، كالأمير شكيب أرسلان والأستاذ العقّاد وأمثالهما، وإن كان أمثالهما قِلّة من أصحاب القلم الفيّاض. والذي نُشر ممّا كتبت يزيد على ثلاثة عشر ألف صفحة، وما ضاع مني مثله أو أكثر منه. منها مقالات كان لها في حينها ضجّة كضجّة مدفع رمضان، يوقظ النائم ويسرّ الصائم ويغيظ المفطر الآثم، يسمع صوتَه كلّ من في البلد، ثم تهدأ الضجّة ويُنسى الأثر ويمضي كما يمضي كلّ شيء في الدنيا.
وخطبت خُطَباً هزّت الشعب وزعزعت كراسي الحكام وبدّلت خطّ مسيرة الناس، ثم عاد كل شيء إلى ما كان. خطبت

الصفحة 92