كتاب ذكريات - علي الطنطاوي (اسم الجزء: 4)

رحمة الله عليه كان الأستاذ بلخير معه، ولقيته مرّات وسألني عن حالي، فحمدت الله على نعمه وذكرت له خلال الحديث ما يؤرقني من الدَّين، وانتهى اللقاء وافترقنا. فلما كان من الغد قال: لقد حدّثت جلالة الملك فأمر بقضاء دينك.
إني رغم طول المدّة لم أنسَ ما شعرت به من ذهول المفاجأة؛ لم أكَد أصدق أذني، حسبت أني أقرأ في كتاب من كتب الأدب خبر شاعر مع خليفة مدحه فقال: "اقضوا دينه"! هل يمكن أن تتحقق الأحلام على أيسر سبيل؟ هل يمكن أن أرى بالعين ما لا يستطيع أن يلحق به -لبُعده- الخيال؟ فقال لي ضاحكاً: إيه، ما لك؟ أين ذهبت؟ فانتبهت، فقال لي: إني أقول لك: إذا أخذتَها روبيّات خسرت، فانتظر حتّى أوصلها إليك بالإسترليني.
ألف وستمئة جنيه إسترليني كانت عندي في تلك الأيام أكثر من مليون وستمئة ألف الآن. وقال: ليس من اللازم أن تخبر بها من معك. ولكن كيف أكتم هذه الفرحة؟ إن صدري لا يتسع لها وحدي، إنها أكبر منه، فذهبت إلى رفيقَي السفر الشيخ أمجد والصواف وقلت لهما. وقلت ذلك للوزير السعودي الشيخ عبدالحميد الخطيب، وكتبت أبشّر أهلي في الشام بأن الدين قد قُضي. وانتظرت أن تصل إليّ، ولكن الملك رحمه الله والشيخ بلخير سافرا ولم آخذها.
لماذا أطمعوني وما أطعموني؟ لماذا منّوني وما أعطوني؟ وصار التفكير فيها شغلي في نهاري ورؤياي في منامي. وذهبنا إلى كلكُتّا ثم إلى بومباي، ولقيت فيها الرجل الكريم النبيل

الصفحة 96