كتاب موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط 3 (اسم الجزء: 5)

يخالف حديثًا صحيحًا، كما أن المعقول الصريح لا يخالف المنقول الصحيح، بل متى رأيت قياسًا يخالف أثرًا فلا بد من ضعف أحدهما، لكن التمييز بين صحيح القياس وفاسده مما يخفى كثير منه على أفاضل العلماء فضلًا عمن هو دونهم؛ فإن إدراك الصفات المؤثرة في الأحكام على وجهها، ومعرفة الحكم والمعاني التي تضمنتها الشريعة من أشرف العلوم، فمنه الجلي الذي يعرفه كثير من الناس، ومنه الدقيق الذي لا يعرفه إلا خواصهم، فلهذا صار قياس كثير من العلماء يرد مخالفًا للنصوص؛ لخفاء القياس الصحيح عليهم، كما يخفى على كثير من الناس ما في النصوص من الدلائل الدقيقة التي تدل على الأحكام» (¬١).
وقال ابن القيم رحمه الله: التيمم على وفق القياس الصحيح؛ فإن الله سبحانه وتعالى جعل من الماء كل شيء حي، وخلقنا من التراب، فلنا مادتان: الماء والتراب، فجعل منهما نشأتنا وأقواتنا، وبهما تطهرنا وتعبدنا، فالتراب أصل ما خلق منه الناس، والماء حياة كل شيء، وهما الأصل في الطبائع التي ركب الله عليهما هذا العالم، وجعل قوامه بهما، وكان أصل ما يقع به تطهير الأشياء من الأدناس والأقذار: هو الماء في الأمر المعتاد، فلم يجز العدول عنه إلا في حال العدم والعذر بمرض أو نحوه، وكان النقل عنه إلى شقيقه وأخيه التراب أولى من غيره، وإن لوث ظاهرًا فإنه يطهر باطنًا، ثم يُقَوِّى طهارة الباطن فيزيل دنس الظاهر أو يخففه، وهذا أمر يشهده من له بصر نافذ بحقائق الأعمال، وارتباط الظاهر بالباطن، وتأثر كل منهما بالآخر، وانفعاله عنه».
قلت: من يسلم أن التراب ملوث غير مطهر، فهذا الكلام يصادم النص المنقول، ويصادم الأمر المعقول.
أما النص، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الصعيد الطيب طهور المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين (¬٢).
---------------
(¬١) المرجع السابق (٢٠/ ٥٦٧).
(¬٢) سبق تخريجه، انظر المجلد الأول ح (٣١).

الصفحة 28