كتاب الاستشراق وموقفه من السنة النبوية
الأحاديث النبوية، فمنهم من لا يعتد بالأحاديث مطلقًا، المتواتر والآحاد منها، وهم المتشددون منهم، فقد روى البغدادي رحمه الله عن النظام قوله: "الخبر المتواتر مع خروج ناقليه عن سامع الخبر عن الحصر ومع اختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها يجوز أن يقع كذبًا" (1) .
وقد أنكر النظَّام ما روي في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم من انشقاق القمر وتسبيح الحصى في يده وكذلك نبع الماء من بين أصابعه، ليتوصل بذلك إلى إنكار النبوة (2) .
أما الهذيلية الذين هم أتباع أبي الهذيل محمد بن الهذيل المعروف بالعلاف وهم فرقة من المعتزلة إلا أنهم أقل تشددًا من النظامية، الذين يقولون إن الحجة من طريق الأخبار فيما غاب عن الحواس من آيات الأنبياء عليهم السلام وفيما سواها لا تثبت بأقل من عشرين نفسًا فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر، ولم يوجب بأخبار الكفرة والفسقة حجة وإن بلغوا عدد المتواتر الذين لا يمكن تواطؤهم على الكذب إذا لم يكن فيهم واحد من أهل الجنة، وزعم أن خبر ما دون الأربعة لا يوجب حكمًا، ومن فوق الأربعة إلى العشرين قد يصح بوقوع العلم بخبرهم، وقد لا يقع العلم بخبرهم، وخبر العشرين إذا كان فيهم واحد من أهل الجنة يجب وقوع العلم منه لا محالة، واستدلوا على أن العشرين حجة بقول الله تبارك وتعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65] حيث لم يبح لهم قتالهم إلا وهم عليهم حجة (3) .
__________
(1) الفرق بين الفرق، عبد القاهر البغدادي، ص103-104.
(2) الفرق بين الفرق، ص93.
(3) المرجع السابق، ص90.
الصفحة 83
101