كتاب الاستشراق وموقفه من السنة النبوية

النبوية، فلو كانت السنة حجة لتكفل الله بحفظها أيضًا.
وهذا التفسير كثيرا ما يتوافق مع أقوال كثير من المستشرقين الذين يثيرون الشبه والأباطيل حول ظنية السنة وأنها تعرضت للضياع والزيادة والنقصان، كما تعرضت للوضع والتحريف حسبما كانت تمليه الظروف السياسية للأمراء والخلفاء، وهذا يتوافق تمامًا مع قول برنارد لويس – الذي أشرنا إليه سابقًا -: "ثمة دوافع للتحريف المتعمد لأن الفترة التي تلت وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم شهدت تطورًا شاملاً في حياة المجتمع الإسلامي، فكان تأثر المسلمين بالشعوب المغلوبة بالإضافة إلى الصراعات بين الأسر والأفراد كل ذلك أدى إلى وضع الحديث" (1) .
وحقيقة إن هذا التأويل لكلام الله بما لا يحتمل من قبل هؤلاء المتأثرين بالتغريب وأفكارهم، ضرب من العجز العلمي أو النقص والشعور بالدونية يدفعهم للسير وراء مقولات أعداء الدين من اليهود والنصارى وأهوائهم، وإلا فكيف يقال إن حفظ الله لكتابه يعني عدم حفظه لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهل يفسر الذكر بالقرآن فحسب، أم هو الدين الإسلامي كله بما فيه السنة النبوية المطهرة؟ وكيف يفسر قوله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ؟ وأهل الذكر هم علماء الأمة الربانيون الذين حفظ الله على أيديهم هذا الدين من التحريف في كتابه العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. هذه من جهة، أما من الجهة الأخرى فقد وردت كلمة الذكر في مواضع أخرى من القرآن الكريم، وهي تشير إلى إبطال تفسير هؤلاء المغرضين، فهذه الآية
__________
(1) الاستشراق والاتجاهات الفكرية، ص157.

الصفحة 87