كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 5-6)

[سنة خمس وخمسين] قطعة من الافرنجة، كدين آفاق هذه الجزيرة المروع - كان سربها، الذلول بتناصر غوغائها، وتخاذل أمرائها، [يومئذ] صعبها، من طواغيت الروم المحيطين بجهاتها، أبناء المخرجين من جناتها، الموتورين بأيدي المسلمين حماتها، أيام رسوخ أقدامهم في عرصاتها، واجتماع كلمتهم على الذب عن حوزاتها، فسموا إليها لأول إطباق الفتنة، واشتمال [تلك] المحنة، ممضين لأحكامهم المفسوخة، مقارعين عن ملتهم الممحوة المنسوخة، مغتنمين للفترة، متنسمين لروح الكرة، فسال منها يومئذ ببلنسية سيل عرم عفى على ما [كان] بها من بهجة ورونق، ومزق أهلها بأطراف الرماح وظبا الصفاح كل ممزق. قال المحدث: فأناخت تلك القطعة يومئذ ببلنسية سنة ست وخمسين وأربعمائة، وأهلها: جاهل غر أو مترف مغتر، أو غفل لا خير ولا شر. قد خلوا بشهواتهم، وانخدعوا بإغضاء الدهر عن غراتهم، لا عهد لهم [يومئذ] بصريع إلا من كاس شمول، أو لحظات أعين كحيل، ولا بعان كنيع إلا لعتاب خليل، أو إعراض حبيب وصول، مغفلين للتدبير، غافلين عما يتعاور أطرافهم من الحذف والتغيير، فطار بهم الذعر كل مطار، وسارت عن زعمائهم في استقبال محنتهم تلك أعجب أخبار، ثم كايدهم العدو بإظهار الاضطراب، والاستتار

الصفحة 855