كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة (اسم الجزء: 5-6)

عن عيونهم ببعض تلك الهضاب، استدراجا لهم واستطرادا، وجدا في طلب مكروههم واجتهادا، فهاج رعاعهم، ونادى بالنفير مهنتهم وصناعهم، حتى بلغني أن مخنثين من مخنثيها تناديا إلى الخروج، وقد حلما بسبي العلوج، فهما يتنازعون المنى، ويقولان نحن أعلم بفعلات القنا، وهيهات! تلك أقصف للظهور، وهذه أشفى لبعض الصدور، وخرجا ولا سلاح إلا رشاء تجاذباه، ثم اصطلحا بعد فقسماه، لا يستريبان بضيق المنهاج، ولا يشكان في اقتياد الأعلاج، وساعد أولئك الرعاع الحائنين أميرهم [يومئذ] المترف عبد العزيز بن أبي عامر - المتقدم الذكر - فخرج بالعير والنفير، والجم الغفير، يحسب الطعن كالقبل، ولم يكن من محبيهن، ويظن السيوف كالمقل، ولم يتعقب على مشتهيهن، ويتخيل صليل الحسام، بين القصر والهام، ما كان اتسع له درعه، ومرن عليه سمعه، من [234أ] نغم الأوتار، وترنم الأطيار، فلم يرع العدو يومئذ إلا خروج أهل بلنسية الأغمار الأغفال، إلى تلك المصارع والآجال:
يمشون مشي قطا البطاح تأودا هيف الخصور رواجح الأكفال
فظفر [العدو] منهم يومئذ بغنيمة أحلى من السرور، وأبرد من النسيم على كبد المخمور، أتاهم من ظهورهم، فحكم السيف في جمهورهم

الصفحة 856