ومن ذلك الغراب، فإنه يحجل كأنه مقيّد. قال الشاعر [1] : [من الطويل]
كتارك يوما مشية من سجيّة ... لأخرى ففاتته فأصبح يحجل
وقال الطرّمّاح [2] : [من الكامل]
شنج النسا أدفى الجناح كأنه ... في الدّار بعد الظّاعنين مقيّد [3]
والسّنّور، والفهد، وأشباههما في طريق الأسد.
والحيّة تمشي. ومنها ما يثب، ومنها ما ينتصب ويقوم على ذنبه.
والأفعى إذا نهشت أو انباعت للنّهش [4] ، لم تستقلّ [5] ببدنها كلّه ولكنها تستقلّ [5] ببدنها الذي يلي الرأس، بحركة ونشط أسرع من اللّمح.
والجرادة تطير وتمشي وتطمر [6] . فإذا صرت إلى العصفور ذهب المشي البتّة.
وأكثر ما عند البرغوث الطّمور [6] والوثوب.
وقال الحسن بن هانئ [7] يصف رجلا يفلي القمل والبرغوث بأنامله:
أو طامريّ واثب ... لم ينجه منه وثابه
لأن البرغوث مشّاء وثّاب.
قال: وقول الناس [8] : «طامر بن طامر» [9] ، إنما يريدون البرغوث.
__________
[1] البيت لأبي عمران الأعمى كما تقدم في 4/418، الفقرة (1171) وهو في العققة والبررة 355 (نوادر المخطوطات) ، ونسب إلى أبي عمران الأعجم في البرصان 140.
[2] ديوان الطرماح 130 (109) ، واللسان والتاج (شنج، حرق، وقال) ، والعين 8/81، والتهذيب 10/451، والمعاني الكبير 151، والبرصان 23، 140.
[3] في ديوانه: «شنج النسا: أي قصير النسا متقبضه، وهو لا يسمح بالمشي، ولذلك يحجل الغراب.
النسا: عرق يستبطن الفخذ. أدفى الجناح: طويل الجناح. الظاعنون: الراحلون عن الديار. يريد:
أن هذا الغراب يألف الديار إذا رحل عنها أهلها، فكأه مقيد فيها» .
[4] النهش: العض. انباعت: بسطت نفسها.
[5] تستقل: من قولهم: استقل الطائر في سطيرانه: إذا نهض للطيران وارتفع.
[6] تطمر: تثب.
[7] البيت في نهاية الأرب 1/178، والبرصان 143.
[8] هذا القول من الأمثال في مجمع الأمثال 1/432، والمستقصى 2/398، والفاخر 58، وجمهرة الأمثال 1/42، وثمار القلوب 213 (422) .
[9] يقال المثل لمن لا يعرف أبوه ولا يدري من هو.