كتاب الحيوان (اسم الجزء: 5-6)

ووجدنا كلّ ذلك إما ضارّا وإما نافعا، وإما غاذيا وإما قاتلا، وإما مؤلما وإما ملذّا.
وليس يكون كون الأرض مالحة أو عذبة، ومنتنة أو طيبة أحقّ بأن يكون علة لكون اليبس والبرد، والحر والرطوبة، من أن يكون كون الرطوبة واليبس، والحر والبرد- علّة لكون اللون والطعم والرائحة.
وقد هجم الناس على هذه الأعراض الملازمة، والأجسام المشاركة هجوما واحدا، على هذه الحلية والصورة ألفاها الأول والآخر.
قال: فكيف وقع القول منهم على نصيب هذه الحاسّة [1] ، وحدها ونحن لم نر من البلّة، أو من اليبس نفعا ولا ضرّا، تنفرد به دون هذه الأمور؟!.
قال: والهواء يختلف على قدر العوامل فيه من تحت ومن فوق، ومن الأجرام المشتملة عليه والمخالطة له. وهو جسم رقيق، وهو في ذلك محصور، وهو خوّار سريع القبول. وهو مع رقّته يقبل ذلك الحصر؛ مثل عمل الريح والزّقّ [2] ، فإنها تدفعه من جوانبه، وذلك لعلة الحصر ولقطعه عن شكله.
والهواء ليس بالجسم الصعاد، والجسم النّزّال، ولكنه جسم به تعرف المنازل والمصاعد.
والأمور ثلاثة: شيء يصعد في الهواء، وشيء ينزل في الهواء، وشيء مع الهواء. فكما أن الصاعد فيه، والمنحدر- لا يكونان إلا مخالفين، فالواقع معه لا يكون إلا موافقا.
ولو أنّ إنسانا أرسل من يده- وهو في قعر الماء- زقّا [2] منفوخا، فارتفع الزّقّ لدفع الريح التي فيه، لم يكن لقائل أن يقول: ذلك الهواء شأنه الصعود بل إنما ينبغي أن يقول: ذلك الهواء من شأنه أن يصير إلى جوهره، ولا يقيم في غير جوهره؛ إلا أن يقول: من شأنه أن يصعد في الماء، كما أن من شأن الماء أن ينزل في الهواء، وكما أن الماء يطلب تلاد الماء، والهواء يطلب تلاد الهواء.
قالوا: والنار أجناس كثيرة مختلفة. وكذلك الصاعد. ولا بدّ إذا كانت مختلفة
__________
[1] أي حاسة اللمس.
[2] المزق: أي الهواء المحصور في الزق، والزق: السقاء والقربة.

الصفحة 22