كتاب الحيوان (اسم الجزء: 5-6)

ورووا قوله [1] : [من الكامل]
فانقضّ كالدّرّي من متحدّر ... لمع العقيقة جنح ليل مظلم [2]
وقال عوف بن الخرع: [من الطويل]
يردّ علينا العير من دون أنفه ... أو الثّور كالدّرّي يتبعه الدّم
وقال الأفوه الأودي [3] : [من الرمل]
كشهاب القذف يرميكم به ... فارس في كفّه للحرب نار
وقال أميّة بن أبي الصّلت [4] : [من الكامل]
وترى شياطينا تروغ مضافة ... ورواغها شتّى إذا ما تطرد [5]
يلقى عليها في السّماء مذلّة ... وكواكب ترمى بها فتعرّد [6]
قلنا لهؤلاء القوم: إن قدرتم على شعر جاهليّ لم يدرك مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا مولده فهو بعض ما يتعلّق به مثلكم، وإن كان الجواب في ذلك سيأتيكم إن شاء الله تعالى. فأما أشعار المخضرمين والإسلاميّين فليس لكم في ذلك حجّة. والجاهليّ ما لم يكن أدرك المولد، فإنّ ذلك ممّا ليس ينبغي لكم أن تتعلّقوا به. وبشر بن أبي خازم فقد أدرك الفجار، والنبي صلّى الله عليه وسلّم شهد الفجار، وقال: «شهدت الفجار فكنت أنبل على عمومتي وأنا غلام» [7] .
والأعلام ضروب، فمنها ما يكون كالبشارات في الكتب، لكون الصّفة إذا واقفت الصّفة التي لا يقع مثلها اتفاقا وعرضا لزمت فيه الحجة، وضروب أخر كالإرهاص للأمر، والتأسيس له، وكالتعبيد والترشيح [8] ، فإنّه قلّ نبيّ إلّا وقد حدثت عند مولده، أو قبيل مولده، أو بعد مولده أشياء لم يكن يحدث مثلها. وعند ذلك
__________
[1] سيذكر الجاحظ هذا البيت ص 460.
[2] العقيقة: البرق إذا رأيته وسط السحاب كأنه سيف مسلول.
[3] ديوان الأفوه الأودي 12، والحماسة البصرية 1/49.
[4] ديوان أمية بن أبي الصلت 361.
[5] تروغ: تميل. المضاف: الخائف.
[6] التعريد: الإحجام والفرار. التقديد: التقطيع.
[7] النهاية 3/414، 5/10، وعمدة الحفاظ 2/204 (فجر) . وانظر لحرب الفجار: الأغاني 22/54- 74، وأيام العرب في الجاهلية 322- 341.
[8] التعبيد: التمهيد والتذليل. الترشيح: التهيئة للشيء.

الصفحة 459