كتاب الحيوان (اسم الجزء: 5-6)

قال: وسألت عنه بعض الفقهاء فقال [1] : قيل لابن عبّاس: كيف تزعمون أنّ سليمان بن داود عليهما السلام كان إذا صار في البراري، حيث لا ماء ولا شجر، فاحتاج إلى الماء، دلّه على مكانه الهدهد، ونحن نغطّي له الفخّ بالتراب الرّقيق، ونبرز له الطّعم، فيقع فيه جهلا بما تحت ذلك التراب، وهو يدلّ على الماء في قعر الأرض الذي لا يوصل إليه إلّا بأن يحفر عليه القيّم الكيّس؟
قال: فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: «إذا جاء القدر لم ينفع الحذر» [2] .
وأنشدوا: [من الكامل]
خير الصديق هو الصّدوق مقالة ... وكذاك شرّهم الميون الأكذب [3]
فإذا غدوت له تريد نجازه ... بالوعد راغ كما يروغ الثّعلب
وقال حسّان بن ثابت رضي الله عنه [4] : [من الطويل]
بني عابد شاهت وجوه الأعابد ... بطاء عن المعروف يوم التّزايد
فما كان صيفيّ يفي بأمانة ... قفا ثعلب أعيا ببعض المراصد
وأنشد [5] : [من الطويل]
ويشربه مذقا ويسقي عياله ... سجاجا كأقراب الثّعالب أورقا [6]
وقال مالك بن مرداس: [من الرجز]
يا أيّها ذا الموعدي بالضرّ ... لا تلعبنّ لعبة المغترّ
أخاف أن تكون مثل هرّ ... أو ثعلب أضيع بعد حرّ
هاجت به مخيلة الأظفر ... عسراء في يوم شمال قرّ [1]
__________
[1] الخبر في ثمار القلوب 384 (706) ، وتقدم في 3/250، الفقرة (917) ، وفيه أن الذي سأل ابن عباس هو نجدت الحروري؛ أو نافع بن الأزرق.
[2] في ثمار القلوب: «إذا جاء القدر عمي البصر، وفي رواية أخرى: إذا جاء الحين غطى العين» .
[3] رجل ميون: كذاب.
[4] ديوان حسان بن ثابت 208.
[5] البيت بلا نسبة في اللسان (سجج، مذق، ورق) ، والتاج (سجج، ورق) ، والتهذيب 9/77، 10/449، والمخصص 5/46، ونظام الغريب 98.
[7] المذق: اللبن الممزوج بالماء. السجاج: اللبن الذي يجعل فيه الماء، أرق ما يكون. الأقراب:
جمع قرب، وهو الخاصرة. الأورق: اللبن الذي ثلثاه ماء وثلثه لبن.
[8] العسراء: العقاب التي في جناحها قوادم بيض. يوم شمال: أي يوم تهب فيه ريح الشمال. القر:
اليوم البارد.

الصفحة 477