كتاب الحيوان (اسم الجزء: 5-6)

والنزيف هو الماء عند العرب.
وما ظنّكم بشراب خبث وملح فصار ملحا زعاقا [1] ، وبحرا أجاجا [2] ، ولّد العنبر الورد [3] ، وأنسل الدّرّ النفيس، فهل سمعت بنجل أكرم ممن نجله، ومن نتاج أشرف ممن نسله.
وما أحسن ما قال أبو عبّاد كاتب ابن أبي خالد حيث يقول [4] : «ما جلس بين يديّ رجل قط، إلا تمثّل لي أنني سأجلس بين يديه. وما سرّني دهر قطّ، إلا شغلني عنه تذكر ما يليق بالدهور من الغير» .
قال الله عزّ وجلّ: يلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها
[5] . لأن الزجاج أكثر ما يمدح به أن يقال: كأنه الماء في الفيافي.
وقال الله عزّ وجلّ: هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ
[6] .
وقال القطاميّ [7] : [من البسيط]
وهنّ ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلّة الصّادي
وقال الله عزّ وجلّ: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ
[8] .
فيقال: إنه ليس شيء إلا وفيه ماء، أو قد أصابه ماء. أو خلق من ماء. والنّطفة ماء، والماء يسمى نطفة. وقال الله تعالى: وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ
[9] . قال ابن عباس: موج مكفوف.
وقال عزّ وجلّ: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً
[10] .
__________
[1] الزعاق: الشديد الملوحة.
[2] الأجاج: الشديد الملوحة.
[3] العنبر: ضرب من الطيب.
[4] الخبر في البيان 1/408.
[5] 44/النمل: 27، والخطاب موجه إلى بلقيس، وكان سليمان قد بنى لها قصرا من الزجاج، ثمّ أرسل الماء تحته؛ وألقى فيه السمك وغيره.
[6] 12/فاطر: 35.
[7] ديوان القطامي 81، واللسان (صدى) ، وأساس البلاغة (نبذ) .
[8] 45/النور: 24.
[9] 7/هود: 11.
[10] 9/ق: 50.

الصفحة 78