كتاب فتاوى يسألونك (اسم الجزء: 5)

في جميع البلاد التي يكثر الناس فيها ويعسر اجتماعهم في موضع وهذا الوجه هو الصحيح وبه قال أبو العباس بن سريج وأبو إسحاق المروزي، قال الرافعي: واختاره أكثر أصحابنا تصريحاً وتعريضاً وممن رجحه ابن كج والحناطي بالحاء المهملة والقاضي أبو الطيب في كتابه المجرد والروياني والغزالي وآخرون، قال الماوردي وهو اختيار المزني ودليله قوله تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)] المجموع 4/ 585 - 586.
وقال الخرقي من الحنابلة: [وإذا كان البلد كبيراً يحتاج إلى جوامع فصلاة الجمعة في جميعها جائزة]
وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي شارحاً كلام الخرقي السابق: [وجملته: أن البلد متى كان يشق على أهله الاجتماع في مسجد واحد ويتعذر ذلك لتباعد أقطاره أو ضيق مسجده عن أهله كبغداد وأصبهان ونحوهما من الأمصار الكبيرة جازت إقامة الجمعة فيما يحتاج إليه من جوامعهما وهذا قول عطاء وأجازه أبو يوسف في بغداد دون غيرها، لأن الحدود تقام فيها في موضعين والجمعة حيث تقام الحدود، ومقتضى قوله: أنه لو وجد بلد آخر تقام فيه الحدود في موضعين جازت إقامة الجمعة في موضعين منه. لأن الجمعة حيث تقام الحدود وهذا قول ابن المبارك ... ولنا: أنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فجازت فيما يحتاج إليه من المواضع كصلاة العيد. وقد ثبت أن علياً - رضي الله عنه - كان يخرج يوم العيد إلى المصلى ويستخلف على ضَعَفَةِ الناس أبا مسعود البدري فيصلي بهم. فأما ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إقامة جمعتين فلغناهم عن إحداهما ولأن أصحابه كانوا يرون سماع خطبته وشهود جمعته وإن بعدت منازلهم. لأنه المبلغ عن الله تعالى وشارع الأحكام ولما دعت الحاجة إلى ذلك في الأمصار صليت في أماكن ولم ينكر فصار إجماعاً] المغني 2/ 248.
وبهذا يظهر لنا أن المعتمد في المذاهب الأربعة جواز تعدد الجمعة للحاجة وهذا القول هو الصواب الموافق لقواعد الشرع المطهر ولعمل المسلمين فيما مضى من الأعصار في جميع الأمصار.

الصفحة 43