كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 144 """"""
يخدِشه ثم يخليه ، كأنه منّ عليه بعد الظفر به وهو إذا شم أثر الصيادين عفا أثره بذنبه .
وأما جبنه - فمنه أنه يُذعر من صوت الديك ، ومن نقر الطست وحس الطنبور ، ويفزع من رؤية الحبل الأسود والديك الأبيض والسنور والفأرة ، ويدهش لضوء النار ، ويعتريه ما يعتري الظباء والوحوش من الحيرة عند رؤيتها وإدمان النظر إليها والتعجب منها ، حتى يشغله ذلك عن التحفظ والتيقظ . قالوا : والأسد لا يألف شيئاً من السباع ، لأنه لا يرى له فيها كفؤاً فيصحبه ، ولا يطأ شيء منها على أثر مشيه ، ومتى وُضع جلد الأسد مع سائر جلودها تساقطت شعورها ؛ والأسد لا يدنو من المرأة الطامث ، وهو إذا مس بقوائمه شجر البلوط خدر ولم يتحرك من مكانه ، وإذا غمره الماء ضعف وبطلت قواه ، فربما ركب الصبي على ظهره وقبض على أذنيه ولا يستطيع عن نفسه دفاعاً ؛ وأخبرني بعض من سكن غور الشأم أن بعض الغسوارنة رأى أسداً في بعض الأيام وهو رابض على حافة نهر الأردن ، وظهره إلى الماء وذنبه فيه ، وهو يرش على ظهره وجنبيه بذنبه وكان الغوري من جانب الشريعة الآخر فبادر بعبور الماء ، وعدّى إلى جهة الأسد برفق وسكون حتى صار وراءه ، ثم قبض الغوري على مرقّيْ فخذي الأسد وجذبه إلى الماء ، فهم الأسد بالوثوب وضرب الأرض بيديه ، فانسحل الرمل من تحتمهما ، ولم يستطع إثباتهما عليه ، فانحدر إلى الماء ، وركبه الغوري ، وقبض على أذنيه ، وضربه بسكين معه فقتله ؛ والغورانة تتحيل على قتل السباع بأمور كثيرة مواجهة ، والذي وقع لهذا الرجل نادر الوقوع لم أسمع أنه وقع لغيره ، وهو أمر مستفاض عند الغورانة .

الصفحة 144