كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 150 """"""
من زجاج ، ويُركض بها على الخيول السوابق ، فإن أدركهم أبوها رُمي إليه بقارورة منها ، فيشتغل بالنظر إليها والفكرة في إخراج جِروه منها ، فيفوته الآخذ لها ؛ وزعم قومٌ أنه إذا استكلب ورآه الأسد رقد له حتى يبول في أذنه خوفاً منه ورهبة له ؛ هكذا نقل صاحب مباهج الفكر ومناهج العبر ، ولم أقف على شعرٍ في وصف الببر ولا رسالةٍ فأوردَها .
ذكر ما قيل في النمر
والنمر له أسماء ، منها السبندي والسبنتي ، والطرح : ولده ، وجمعه طروح ؛ والتلوة والختعة : الأنثى .
وزعم أهل البحث عن طبائع الحيوان والاطّلاع على أسراره أن النمرة لا تضع ولدها إلا وهو مطوق بأفعى ، وهي تعيّث وتهِش إلا أنها لا تقتل ؛ وفي طبع النمر وعادته أنه يشبع لثلاثة أيام ، ويقطعها بالنوم ، ثم يخرج في اليوم الرابع ، ومتى لم يصد لم يأكل ، ولا يأكل من صيد غيره كالأسد ، وينزّه نفسه عن أكل الجيف ولو مات جوعاً ؛ وهو لا يأكل لحوم البشر إلا للتداوي من داء يصيبه ؛ وفيه زغارّة خلق ، وحدة نفس ، وتجهم وجه ، وشدة غيظ ، ولهذا يقال في الرجل إذا اشتد غضبه وكثر غيظه على عدوه : " ليس له جلد النمر " ، أي تخلق بأخلاقه ، والنمر بعيد الوثبة ، وربما وثب أربعين ذراعاً صعوداً إلى مجثمه الذي يأوي إليه ، وقد شوهد وهو يثب في الليل فيصير في داخل زريبة الغنم فيأخذ الشاة فيحذفها إلى خارج الزريبة ، ثم يثب فيسبقها إلى الأرض ، ويتناولها من الهواء قبل أن تسقط على الأرض ؛ ومن خصائصه الغريبة أن المعضوض منه يطلبه الفأر حيث كان ، ويقصده ليبول عليه ، فإن ظفر به وبال عليه مات ؛ والناس يحترزون على من يجرحه النمر غاية الاحتراز ، والفأر يطلب المجروح كل الطلب ، ومن أعجب ما سمعت أن إنساناً جرحه النمر فاحترز على نفسه من الفأر ، فركب في مركب ، ووقف به في الماء وقد وثق بذلك ، وظن أن الفأر لا يصل إليه ، فاتفق لنفوذ القضاء المقدّر الذي لا حيلة في دفعه أن حدأة اختطفت فأراً من الأرض ، وطارت فحاذت المجروح فلما سامته الفأر بال عليه فمات . وقد وجد

الصفحة 150