كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
ويستروح ؛ وإن كانت الأرض بيضاء حصّاء ، أو دوِّية ملساء ، أو صخرة خَلقاء ، حِرصاً وجَشَعاً ، وشرهاً وطمعاً ، نعم حتى تجده أيضاً لا يرى كلباً إلا شم آسته ، ولا يشم غيرها منه ، ولا تراه يُرمى بحجرٍ أبداً إلا رجع إليه فعضّ عليه ، لأنه لما كان لا يكاد يأكل إلا شيئاً رَموا به إليه صار يَنسى لفرْط شرهه وغلبة الجَشَع على طبعه أن الرامي إنما أراد عقره أو قتله ، فيظن لذلك أنه إنما أراد إطعامه والإحسان إليه ، كذلك يخيّل إليه فرط النَّهم ، وتوهمه غلبةُ الشره ، ولكنه رمى بنفسه على الناس عجزاً ولؤماً ، وفُسُولةً ونقصاً ، وخاف السباع واستوحش من الصحاري ؛ وسمعوا بعض المفسّرين يقول في قوله عز وجل : " والذين في أموالهم حق معلومٌ للسائل والمحروم " : إن المحروم هو الكلب ؛ وسمعوا في المثل : " اصنع المعروف ولو إلى كلب " ، فلذلك عطفوا عليه ، واتخذوه في الدور ، على أن ذلك لا يكون إلا من سَفِلتهم وأغبيائهم ، ومن قلّ تقزّوه ، وكثر جهله ، وردّ الآثار أما جهلاً وإما معاندة ؛ ووصف في ذمه ومعايبه ما ذكره صاحب الديك من ذم الكلاب ، وتعداد أصناف معايبها ومثالبها ، من لؤمها وخبثها وضعفها وشرهها وغدرها وبذائها وجهلها وتسرعها ونتنها وقذَرها ، وما جاء في الآثار من النهي عن اتخاذها وإمساكها ، ومن الأمر بقتلها وإطرادها ، ومن كثرة جناياتها وقلة وُدّها ، وضرْب المثل بلؤمها ونذالتها وقبحها وسماجة نباحها وكثرة أذاها وتقدُّر المسلمين من دنوِّها ، وأنها تأكل لحوم الناس ، وأنها مطايا الجنّ ، ونوعٌ من المَسْخ ، وأنها تنبُش القبور ، وتأكل الموتى ، وأنها يعتريها الكلب من أكل لحوم الناس ، إلى غير ذلك من مساويها ، ثم ذكر قول من عدّد محاسنها وصنّف منقبها وأخذ في ذكر أسمائها وأنسابها وأعراقها وتفدية الرجال لها ، وذكر كسبها وحراستها ووفائها وإلفها وجميع منافعها ، والمرافق التي فيها ، وما أودعت من المعرفة الصحيحة والفطنة العجيبة ، والحس اللطيف ، والأدب المحمود ، وصدق الاسترواح ، وجَودة الشمّ ، وذكر حفظها
الصفحة 158
248