كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 166 """"""
الأرض ، وذكره عظم ؛ والذئب موصوف بالانفراد والوُحدة وشدّة التوحّش ؛ وإذا خفيَ عليه موضع الغنم عوى ليؤذنهم بمكانه ، ويُعلمهم بقربه ، فإذا حضرت الكلاب إلى الناحية التي هو فيها راغ عنها إلى جهة الغنم التي ليس فيها كلب ؛ وهو لا يعود إلى فريسةٍ بعد أن يشبع منها ؛ وهو ينام بإحدى عينيه ويفتح الأخرى ، فإذا اكتفت النائمة وأخذت حقّها من النوم فتحها ونام بالأخرى ؛ فهذا أبداً دأبه في نومه ؛ وهو قويّ حاسّة الشم ، قيل : إنه يشتم من فرسخ ؛ وأكثر ما يعترض الغنم وقت الصبح عند توقّعه فترة الكلاب ونومها ؛ ومن عادة الذئاب أنه إذا افترس ذئبان شاة قسماها على شطرين بينهما بالسوية ؛ والذئب إذا وطئ ورق العنْصُل مات لوقته ؛ وبينه وبين الغنم معاداة عظيمة ، فمنها أنه إذا جُمع بين وترٍ عمل من أمعاء ذئب وبين أوتارٍ عُملت من أمعاء الغنم وضُرِب بها لا يُسمع لها صوت ؛ وإذا اجتمع جلد شاة مع جلد ذئب تمعّط جلد الشاة ؛ والذئب إذا كدّه الجوع عوى ، فتجتمع له الذئاب ، ويقف بعضها إلى بعض ، فمن ولّى منها وثب الباقون عليه فأكلوه ، وهو إذا تعرّض لإنسان وخاف العجز عنه عوى ، فيسمعه غيره من الذئاب ، فتُقبل على الإنسان ، فإذا أدمى الإنسان منها واحداً وثب الباقون على المدمى فمزقوه وتركوا الإنسان ، ولذلك قال بعض الشعراء يعاتب صديقاً له أعان في مصيبة نزلت به :
وكنت كذئب السوء لما رأى دماً . . . بصاحبه يوماً أهان على الدم
والذئب لا يواجه الإنسان ، وإنما يأتيه من ورائه ، فإن وجد الإنسان ما يُسند ظهره إليه عجز الذئب عن افتراسه .
وقد وصف الشعراء الذئب بما ذكرناه من عادته وطبعه ، فقال حميد بن ثور :
ونمت كنوم الذئب عن ذي حفيظة . . . أكلتُ طعاماً دونه وهو جائع
ترى طرفيه يعسلان كليهما . . . كما اهتر عود النبعة المتتابع
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي . . . بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع

الصفحة 166