كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 169 """"""
بعض الأعراب :
من العُثو لا يُدري أرِجْلُ شِمالها . . . بها الظَّلْعُ لمّا هرولت أم يمينها
ذكر ما قيل في النمس
والعرب تسمي النِّمس الظَّرِبان ، وسماه أبو عبيد الظَّرِباء ؛ وهو على قدر الهرّ ، وفي قدر الكلب القَلَطيّ ؛ وهو منتنُ الريح ظاهراً وباطناً ، ولونه إلى الشهبة ، طويل الخطْم جداً ، وليس له أذنان إلا صِماخان ، قصير اليدين ، وفيهما براثن حِداد ، طويل الذنب ، ليس لظهره فَقار ، ولا فيه مَفْصِل ، بل عظمٌ واحدٌ من مَفْصِل الرأس إلى مفصل الذنَب ، وربما ضربه من ظفر به من الناس بالسيف فلا يعمل فيه حتى يصيب طرف أنفه ، لأن جلده في قوّته كالقَدّ ؛ ولفسوِه ريحٌ كريهة حتى إنه يصيب الثوب فلا تذهب رائحته منه حتى يبلى ، وهو يفسو في الهجْمة من الإبل فتتفرق ولا تجتمع لراعيها إلا بعد تعب ؛ والعرب تضرب المثل في تفريق الجماعات به ، فيقولون : " فسا بينهم الظَّرِبان " ؛ وهو لأهل مصرَ كالقنافذ لأهل سِجِستان في قتله الثعابين ؛ قالوا : ولولاه لأكلتهم ؛ ومن عادته أنه إذا رأى الثعبان دنا منه ووثب عليه ، فإذا أخذه تضاءل في الطول حتى يبقى شبيهاً بقطعة حبل ، فينطوي الثعبان عليه ، فإذا انطوى نفخ الظَّرِبان بطنه ثم زفر زفرةً فيتقطّع الثعبان قطعاً ؛ قال الجاحظ : وفسو الظَّرِبان أحدُّ أسلحته ، لأنه يدخل على الضبّ في جحره وفيه حُسوله وبيضُه ، فيأتي أضيق موضع في الجحر فيسدّه بيده ، ويحوّل دُبُره فلا يفسو ثلاث فَسَوات حتى يخرّ الضب سكران مغشياً عليه ، فيأكله ؛ وله جراءة على تسلق الحيطان في طلب الطير ، فإن هو سقط نفخ بطنه حتى يمتلئ جلده ، فلا يضرّه السقوط ؛ قالوا : وهو يشبه السمّور ، وذهب بعضهم إلى أنه هو ، وإنما البقعة التي هو فيها غيّرت وَبَرَه .

الصفحة 169