كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 173 """"""
وهي تتعاهد لحس رجليه ، فلم يزل كذلك حتى مر عليه جماعة من السفر ، فناداهم ، فأتوه وحملوه على دوابهم وساروا به . قالوا : والأنثى إذا هربت من الصيّادين جعلت جراءها بين يديها ، فإذا اشتد خوفها عليهم بأن أدركها من يطلبها صعدت بأولادها إلى الأشجار ؛ وفي الدب من القوة والشدة ما يقطع العود الضخم من الشجرة العادية التي لا تقطعها الفأس إلا بعد تعب ، ثم يأخذه بيديه ، ويقف على قدميه كالإنسان ، ويشُدّ به على الفارس ، فلا يصيب شيئاً إلا أهلكه ؛ وفي طبع هذا الحيوان من الفطنة العجيبة لقبول التأديب والتعليم ما هو مشاهَد لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ، هذا مع عظم جثته ، وثقل جسمه ، لكن لا يطيع معلّمه إلا بعنف وضربٍ شديد وتعميةٍ لذكوره ؛ وقال الشيخ الرئيس أبو علي بن شينا : إن دم الدب يُنضج الأورام الحارّة سريعاً ؛ والله أعلم بالصواب .
ذكر ما قيل في الهرّ
والهر ضربان : وحشي وأهلي ، وهو يشبه الأسد في الصورة والأعضاء والوثوب والافتراس والعدو ، إلا أنه أقل جراءة من الأسد وأكثرها من سائر الحيوان ؛ وهو يناسب الإنسان في أحوال ، منها : أنه يعطس ويتثاءب ويتمطّى ، ويتناول الشيء بيده ، ويغسل وجهه وعينيه بلعابه ؛ وفيه أن الأنثى تحدُث لها قوةٌ وشجاعةٌ عند السفاد ، ولهذا فإن الذكر يهرب منها عند فراغه ، وتكون هذه الشجاعة في الذكر قبل السفاد ، فإذا سفد انتقلت إلى الأنثى ، والذكر إذا هاج صرخ صراخاً منكراً يؤذي به من يسمعه لبشاعته ؛ والأنثى تحمل في السنة مرتين ، ومدة حملها خمسون يوماً ، وفي أخلاق بعضها أنها إذا ولدت تأكل أولادها ، ويقال : إنها إنما تأكلهم لفرط حبها لهم ؛ وقيل : بل من جنون يعرض لها عند الولادة وجوع ؛ والله اعلم ؛ وفي هذا الحيوان من الأخلاق الحميدة أنه يرعى حق التربية والإحسان إليه ، ويقبل التأديب ، وربما رُبي في حانوت السمان والجزار وفي الدور بين الدجاج والحمام وغير ذلك من المطاعم التي يحبها الهر ويأكلها فلا يتعرض لها بفساد ، ولا يأكل منها ما لم يطعمه ، وربما حفظها من غيره ، وقاتل دونها ، مع ما فيه من الافتراس والاختلاس ؛ وفي طبع الهر وعادته أنه إذا أطعم شيئاً أكله في موضعه ولم يهرب ، وإذا خطفه أو سرقه هرب به ، ولا يقف إلا أن يأمن على نفسه ؛ وفي بعضها من الجراءة ما يقتل الثعبان والعقرب ؛ وإذا

الصفحة 173