كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 174 """"""
أرادت الهرة ما يريد صاحب الغائط أتت موضع ترابٍ في زاوية من زوايا الدار ، فتبحث حتى تجعل لها حفرة ، ثم تدفن فيها ما تلقيه ، وتغطّيه من ذلك التراب ، ثم تشم أعلى التراب ، فإن وجدتْ رائحة زادت عليه تراباً حتى تعلم أنها أخفت المرئي والمشموم ، فإذا لم تجد تراباً خمشت الأرض ، وزعم بعض الأطباء أن ستر الهرة لذلك لحدة رائحته ، فإن الفأرة إذا شمته نفرت منه إلى منقطع تلك الرائحة ؛ وهو يقبل التعليم ويؤدّب حتى يألف الفأر مع ما بينهما من شدة العداوة ، فيحصل بينهما من المؤالفة الظاهرة والملاءمة ما إن الفأر يصعد على ظهر الهر ، وربما عض أذنه ، فيصرخ الهر ولا يأكله ، ولا يخدشه لخوفه من مؤدّبه ، فإذا أشار إليه مؤدبه بأكله وثب عليه على عادته وأكله ، وهذا أمر مشاهد غير منكور بفعله الطرقية ويفرّجون الناس عليه ؛ وفي طبع الهر أنه لا يأكل السخن ولا الحامض ، ومتى دُهن أنفه بدهن الورد مات سريعاً ؛ وهو إذا قاتل الثعبان يضع يده على انفه ، ويقاتل بيده الأخرى ، وإنما بفعل ذلك حذراً على نفسه ، فإن الثعبان متى ضربه في أنفه مات ، ويضربه في سائر جسده فلا يضره ذلك ، بل يلحس مكان نهش الثعبان بلسانه وهو يقاتله . وقد وصفه الشعراء والأدباء برسائل وأبيات . فمن ذلك رسالةٌ أنشأها أبو جعفر غمر الأوسي الأندلسي المعروف بابن صاحب الصلاة - ونُسبت هذه الرسالة لأبي نصر الفتح بن خاقان صاحب قلائد العقبان - يخاطب بها بعض إخوانه ويوصيه على كتبه ، وهي : وفي علمك - أعزك الله - ما استودعته ديانتك ، واستحفظته أمانتك ؛ من كتبي التي هي أنفس ذخائري وأسراها ، وأحقها بالصيانة وأحراها ؛ وما كنت أرتضي فيها بالتغريب ، لولا الترجي لمعاودة الطلب عن قريب ؛ ولا شك أنها منك ببال ، وبمكان تهمّمٍ واهتبال ؛ لكن ربما

الصفحة 174