كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 175 """"""
طرقها من مردة الفئرة طارق ، وعاث فيها كما يعيث الفاسق المارق ؛ فينزل فيها قرضاً ، ويفسدها طولاً وعرضاً ؛ إلا أن يطوف عليها هر نبيل ، ينتمي من القطاط إلى أنجب قبيل ؛ له رأس كجمع الكفّ ، وأذنان قد قامتا على صفّ ؛ ذواتا لطافةٍ ودقّه ، وسَباطةٍ ورِقّه ؛ يقيمهما عند التشوف ، ويُضجعهما عند التخوّف ؛ ومقلةٌ مقتطعةٌ من الزجاج المجزّع ، وكأن ناظرها من العيون البابلية منتزع ؛ قد استطال الشعر حول أشداقه ، وفوق أماقه ؛ كابرٍ مغروزة على العيون ، كما أحكمت برد أطرافها القيون ؛ له ناب كحدّ المِطرَد ، ولسانٌ كظهر المبرد ؛ وأنفٌ أخنس وعنقٌ أوقص ، وخلقٌ سويٌّ غير منتقص ، أهرت الشِّدقين ، موشّى الساعدين والساقين ململم اليدين والرجلين ؛ يرجّل بها وبره ترجيل ذوي الهِمم ، لما شعث من اللمم ؛ فينفض ما لصق به من الغبار ، وعلق من الأوبار ، ثم يجلوه بلسانه جِلاء الصقيل للحسام ، والحمّام للأجسام ؛ فينفي قذاه ، ويواري أذاه ؛ ويُقعي إقعاء الأسد إذا جلس ، ويثب وثبة النمر إذا اختلس ؛ له ظهرٌ شديد ، وذنَبٌ مديد ؛ يهزّه هزّ السّمهري المثقّف ، وتارةً يلونه ليّ الصّولج المعقّف ؛ يجول في الخشب والأرائك ، كما تجول في الكُسايد حائك ؛ يُكبّ على الماء حين يلِغَهُ ، ويُدني منه فاه ولا يُبلغه ؛ ويتخذ من لسانه رِشاءً ودَلواً ، ويعلم به إن كان الماء ملِحاً أو حُلواً ؛ فتسمع للماء خضخضةً من قرْعه ، وترى للِّسان نضنضةً من حرْعه ؛ يحمي داره حماية النقيب ، ويحترسها حراسة الرقيب ؛ فإن رأى فيها كلباً ، صار عليه إلبا ؛ وصعّر خدّه وعظّم قدّه حتى يصير نِدّه ؛ أنفةً من جنانه أن يطرق ، وغيرةً على حجابه أن يُخرق ؛ وإن رأى فيها هراً ، وَجَفَ إليه مكفهرّاً ؛ فدافعه بالساعد الأشدّ ، ونازعه منازعة الخصم الألدّ ؛ فإذا أطال مفاوضته ، وأدام مراوضته ؛ أبرز برثنه لمبادرته ، وجَوشنه لمصادرته ؛ ثم تسلل إليه لواذاً ، واستحوذ عليه استحواذاً ؛ وشدّ عليه شدِّه ، وضمّه من غير مودّه ؛

الصفحة 175