كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 185 """"""
لتكلّم ، وهم يعظّمون الفيلة ويشرّفونها على سائر الحيوانات ؛ والفيل يتولد في أرض الهند والسند والزنج ، وبجزيرة سرنديب ؛ وهو أعظمها خلْقاً ، وينتهي في عظم الخَلْق إلى أن يبلغ في الارتفاع عشرة أذرع ؛ وفي ألوانها الأسود والأبيض والأبلق والأزرق ؛ وهو إذا اغتلم أشبه الجمل في ترك الماء والعلف حتى ينضم إبطاه ، ويتورّم رأسه ، وربما استوحش لذلك بعد استئناسه ، والفيل ينزو إذا مضى له من العمر خمس سنين ، والأنثى تحمل سنتين ، وإذا حملت لا يقربها الذكر ، ولا ينزو عليها إذا وضعت إلا بعد ثلاث سنين ، ولا ينزو إلا على فيلة واحدة ، وله عليها غيرةٌ شديدة ؛ وإذا أرادت الفيلة أن تضع دخلت النهر فتضع ولدها في الماء ، لأنها تلد قائمة ؛ والذكر يحرسها ويحرس ولدها من الحيّات ، وذلك لعداوة بينهما ؛ قالوا : وأثنيا الفيل داخل بدنه قريباً من كُليتيه ، ولذلك هو يسفد سريعاً كالطير ، لأنهما قريبتان من القلب فتنضحان المنيَّ بسرعة ؛ ويقال : إن الفيل يحقد كالجمل ؛ والهند يجعلون نابي الفيل قرنيه ، وفيها الأعقف والمستقيم ؛ قال المسعودي في مروج الذهب : وربما بلغ الناب الواحد منها خمسين ومائة مَنّ ؛ ورأيت أنا من أنياب الفيلة ما طوله يزيد على أربعة أذرع ونصف ، وهو معقّف ، شاهدت ذلك بمدينة قوص في سنة سبع وتسعين وستمائة ، ورأيت فيها نابين أظّنهما أخوين بهذه الصفة ، وهما معقّفان ، وغلظُهما مناسبٌ لطولهما ؛ والفيل يحمل بنابيه على الجدار الوثيق فيهدمه ؛ ولم تزل ملوك غَزْنة إلى سُبُكِتِكين ومن بعدهم من الملوك الغزنوية تفتتح بالفيلة المدن ، وتهدم بصدماتها الحصون ، وأشهرهم بذلك يمين الدولة محمود بن سُبُكتِكين ، على ما ستقف - إن شاء الله تعالى - عليه في تاريخ الدولة الغزنزية ؛ والفيل سريع الاستئناس بالناس ؛ وفي طبعه أنه إذا سمع صوت الخنزير ارتاع ونفر واعتراه الفزع ؛ وقال المسعودي : إنه لا يثبت للهر ، وإذا رآه فرّ منه ؛ وقال : إن رجلاً كان بالمولتان من أرض الهند يدعى هارون بن موسى مولى الأزد ، وكان شاعراً شجاعاً ذا رياسةٍ في قومه ومَنَعة بأرض السِّند مما يلي بلاد المولتان وكان في حصن له هناك ، فالتقى مع بعض ملوك الهند ، وقد قدّمت الهند أمامها الفيلة ، فبرز هارون أمام الصف وقصد

الصفحة 185