كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 186 """"""
عظيم الفيلة ، وقد خبأ سِنّوراً تحت ثيابه ؛ فلما دنا في حملته من الفيل أبرز الهرّ له ، فانهزم الفيل وولى عند مشاهدته للهر ، فانهزم الجيش وقتل الملك الهندي ، ولهارون بن موسى قصيدةٌ في ذلك نذكرها - إن شاء الله تعالى - عند ذكر وصف الفيل ؛ والفيل إذا ورد الماء الصافي كدّره قبل أن يشربه كعادة الخيل ، وهو قليل الاحتمال للبرد ، وإذا عام في الماء استتر كله إلا خرطومه ؛ ويقال : إنه يصاد باللهو والطرب والزينة وروائح الطيب ؛ والزنوج تصيده بحيلة غير ذلك ، وهو أنهم يعمدون إلى نوع من الأشجار ، فيأخذون ورقه ولحاءه ويجعلونه في الماء الذي تشربه الفيلة ، فإذا وردته وشربت منه سكرت ، فتسقط إلى الأرض ، ولا تستطيع القيام ، فتقتلها الزنوج بالحراب ، ويأخذون أنيابها ويحملونها إلى بلاد عُمان ، وتُنقل منها إلى البلاد ؛ وأما أهل النوبة فإنهم إذا أرادوا صيدها للبقاء عمدوا إلى طُرقها التي ترد الماء منها ، فيحفرون هناك أخاديد ويسقِّفونها بالخشب الضعيف ، ويسترونها بالنبات والتراب ، فإذا مر الفيل عليها انكسرت به تلك الأخشاب الضعيفة ، فيسقط في الأُخدود ، فعند ذلك يتبادر إليه جماعةٌ من الرجال بأيديهم العصي الرقاق ، فيضربونه الضرب الوجيع ، فإذا بلغ به الألم خرج إليهم رجلٌ منهم مغايرٌ للباسهم ، فيضربهم ، ويصرفهم عنه ، فينصرفون ، ويقف هو بالقرب من الفيل ساعة ، ثم ينصرف ، فإذا أبعد وغاب عن الفيل رجع أولئك القوم وعاودوا ضربه حتى يؤلموه ، فيعود ذلك الرجل فيريه أنه ضربهم ، فيتفرقوا عنه ، يفعلون ذلك به أياماً والرجل يؤانس الفيل ، ويأتيه بالمأكل والماء حتى يألفه ويقرب منه ، فيقال : إنه ينام بالقرب منه ، ويخرج أولئك ، فإذا رآهم الفيل قد أقبلوا أيقظه بخرطومه برفق ، وأشار إليه أن يردّهم عنه ، فيفعل على عادته ، فإذا عُلم أن الفيل استأنس وزال استيحاشه وألف ذلك الرجل ، حفروا أمامه بتدريج وتوطئة ، فيطلع وقد سلس قياده ، وزال عناده ، ثم يحملونه إلى المركب إلى الديار المصرية في جملة التقادم الموظفة عليهم ؛ وبأرض الهند فيلةٌ غير وحشية تستأنس إلى الناس ، وتتنايج بينهم ، ويقاتلون عليها في حروبهم ، فيجتمع للملك الواحد من ملوك الهند منها عدةٌ كثيرة ، وأكثرها يأوي المروج والغياض كالبقر والجاموس في بلادنا ؛ قال المسعودي : وهي تهرب من المكان الذي فيه الكركدّن ، فلا ترعى في موضعٍ تشمّ فيه رائحته ؛ وللفيلة بأرض الهند

الصفحة 186