كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 194 """"""
يلنْك : الضبع ؛ وهذا موافق لما ذهبت إليه العرب من كونها مركبة الخلق من حيوانات شتى ؛ والجاحظ ينكر هذا القول ، ويقول : هو جهل شديد ، لا يصدر عمن لديه تحصيل ، لأن الله عز وجل يخلق ما يشاء على ما يشاء ، وهو نوعٌ من الحيوان قائم بنفسه كقيام الخيل والحُمُر ، وما يحقّق ذلك أنه يلد مثله ؛ وهذا غير منكور ، فإنا نحن رأينا زرافة بالقاهرة ولدت زرافة أخرى شبهها ، وعاشت إلى الآن ؛ وصفة الزرافة أنها طويلة اليدين والعنق جداً ، منها ما يزيد طوله على عشرة أذرع ، قصيرة الرجلين جداً ، وليس لرجليها ركب ، وإنما الركب ليديها كسائر البهائم ؛ وهي تجترّ وتبعَر ، وفي طبع هذا الحيوان التودّد للناس والتآلف بهم .
ذكر ما وصفت به الزرافة
وقد وصفها الشعراء وشبّهوها في أشعارهم ، فمن ذلك ما قاله عبد الجبار بن حَمديس الصِّقلي :
ونوبيةٍ في الخلق فيها خلائقٌ . . . متى ما ترقّ العين فيها تسفل
إذا ما اسمها ألقاه في السمع ذاكر . . . رأى الطرف منها ما عناه بمقوَل
لها فخذاً وأظلاف فَرْهَبٍ . . . وناظرتا رِثْمٍ وهامةُ إيَّل
كأن الخطوط البيض والصفرا أشبهت . . . على جِسمها ترصيع عاجٍ بصندل
ودائمة الإقعاء في أصل خلقها . . . إذا قابلت أدبارُها مقبل
تلفّت أحياناً بعينٍ كحيلةٍ . . . وجيدٍ على طول اللواء المظلّل
وتنفُض رأساً في الزمام كأنما . . . تريك له في الجو نِفضة أجدل إذا طلع النطْح استجادت نطاحه . . . رأسٍ له هادٍ على السُّحب معتلي
وعُرْفٌ رقيق الشعر تحسب نبته . . . إذا الريح هزته ذوائب سنبل
وتحسبها من مشيها إن تبخترت . . . تُوفّ إلى بعلٍ عروساً وتنجلي
فكم منشد قولَ القيس عندها . . . أفاطم مهلاً بعض التدلّل

الصفحة 194