كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 199 """"""
اشتد عليه العطش من أكل الحيّات أتى غدير الماء واشتمه ، ثم انصرف عنه ، يفعل ذلك أربعة أيام ، ثم يشرب اليوم الخامس ، وإنما يمتنع من شرب الماء خوفاً على نفسه من سَريان السم في جسده مع الماء ؛ والله أعلم .
قال بعض الشعراء :
هجرتك لا قِلىً مني ولكن . . . رأيت بقاء وُدّك في الصّدود
كهجر الظامئات الماء لما . . . تيقّن المنايا في الورود
تذوب نفوسها ظمأً وتخشى . . . هلاكاً فهي تنظر من بعيد
وقال أخر في مثل ذلك :
وما ظامئات طال في القيظ ظِمئها . . . فجاءت وفي الأحشاء غَلْي المراجل
فلما رأين الماء عذباً وقد أتت . . . إليه رأين الموت دون المناهل
فولّت ولم تشفي صداها وقد طوت . . . حشاها على وخز الأفاعي القواتل
بأعظم من شوقي إليكِ وحسرتي . . . عليكِ ولم ألتذ منكِ بطائلِ
الباب الثاني من القسم الثاني من الفن الثالث فيما قيل في الحمر الوحشية والوَعْل واللّمط
ذكر ما قيل في الحُمُر الوحشية
والحمار الوحشي يسمى العير والفرَأ ؛ وبه ضرب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) المثل ، فقال : " كل الصيد في جوف الفَرَإ " ؛ ويقال : إنه ينزو إذا بلغ ثلاثين شهراً من عمره ؛ وهو يوصف بشدة الغَيرة ؛ ويقال : إن الأنثى إذا ولدت جحشاً كَدَم الذكر قضيبه ، فالإناث تُعمِل الحيلة في إبقائه ، فتهرب به من أبيه ، وتكسر رجله ليستقر بذلك المكان ، وهي تتعهده وترضعه ، فإذا انجبرت رجله وقويت وصحت ، وأمكنه المشي عليها ، يكون قد حصل فيه من القوة والجري ما يدفع به عن نفسه ، ويهرب إذا أبوه أو من هو أقوى منه أراد خصاءه ؛ ويقال : إن الحمار الوحشي يعمّر مائتي سنة وأكثر

الصفحة 199