كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 205 """"""
وسبب ذلك أن حِجاحَيْ عينيها لا يلتقيان ؛ ويقال : إن الأرنب إذا رأت البحر ماتت ، ولذلك لا توجد بالسواحل ؛ وتزعم العرب أن الجن تهرب منها إذا حاضت ، ويقال : إنها تحيض كالمرأة ، وتأكل اللحم وغيره ، وتجترّ وتبعر ، وفي باطن أشداقها شعر ، وكذلك تحت رجليها ، وليس شيء قصير اليدين أسرع منها حُضراً ، ولقصرهما يخفّ عليهما الصعود ؛ وهي تطأ الأرض على مؤخَّر قوائمها تعميةً لأثرِها حتى لا يعرفه الطالب لها ، وإذا قربت من المكان الذي تريد أن تجثم فيه وثبت إليه .
وفي الأرنب منافعُ طيّبةٌ ذكرها الشيخ الرئيس أبو علي بن سينا ، قال : إن اِنْفَحة الأرنب حارّةٌ يابسةٌ ناريةٌ ، تحلّل كل جامد من دمٍ ولبنٍ متجبنٍ وخلْطٍ غليظ ، وتجمّد كل ذائب ، وتمنع كل سيلانٍ ونزفٍ من النساء ؛ قال : ولا شك أنها مع ذلك مجفّفة ، وإذا شُربت منعت من الصَّرْع ، وكذلك سائر الأنافح ، وهي رديئة للمعدة وإذا حُملت بعد الطُّهر ثلاثة أيام بالخلّ منعت الحبل ونفت الرطوبة السائلة من الرحم ، وتنفع من اختناق الرحم ؛ قال : ودم الأرنب ينفي الكلف ؛ ورماد رأسه جيد لداء الثعلب ؛ وإذا الأخذ بطن الأرنب كما هو بأحشائه والإحراِق قلْياً على مِقْلىً كان دواءً منبِتاً للشعر إذا سُحق واستعمل بدهن الورد ؛ ودماغه مشوياً ينفع من الرعشة الحادثة عقيب المرض ؛ وإذا حُلّ دماغ الأرنب بسمن أو زبدٍ أو عسلٍ أسرع إنبات الأسنان ، وسهل بغير وجع ؛ ودم الأرنب مقلوّاً ينفع من السَّحْج وورم الأمعاء والإسهال المزمن ، وينفع من السهام الأرمنية ؛ هذا ما قاله الشيخ الرئيس في الأرنب .
وقد وصف بعض كتّاب الأندلس عدّة من الأرانب ، فقال : أفرادٌ إخوان كأنهن أولاد غزلان ؛ بين روّاغٍ ينعطف انعطاف البُرَه ، ووثّابٍ يجتمع اجتماع الكُره ؛ حاك القَصَب إزاره ، وصاغ التبر طوقه وسواره ؛ قد غُلّل بالعنبر بطنه ، وجلّل بالكافور متنه ؛ كأنما تضمّخ بعبير ، وتلفّع في حريرٍ ؛ ينام بعيني ساهر ، ويَفوت بجناحَيْ طائر ؛ قصير اليدين ، طويل الساقين ؛ هاتان في الصعود تنجدانه ، وتانِكَ عند الوثوب تؤيدانه ؛ والله أعلم .

الصفحة 205