كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 206 """"""
ذكر ما قيل في القرد
القرد عند المتكلمين في الطبائع مركّبٌ من إنسانٍ وبهيمةٍ ؛ وهو إذا سقط في الماء غرِقَ مثل الإنسان الذي لا يحسن السباحة ؛ وهو يأخذ نفسه بالزواج والغَيرة على الأنثى ؛ وهو يقمَل ، وإذا قمِل تقلّى ، ويأكل ما ينتزعه من بدنه من القمل ؛ وهو كثير الشبق ، وإذا اشتد به الشبق استمنى بفيه ؛ والأنثى تلد عدة نحو العشرة وأكثر ، كما تلد الخنزيرة ؛ وهي تحمل بعض أولادها كما تحمل المرأة ؛ ويقال : إن الطائفة من القرود إذا أرادت النوم ينام الواحد في جنب الآخر حتى يكونوا سطراً واحداً ، فإذا تمكن النوم منها نهض أوّلها من الطَّرَف الأيمن ، فيمشي وراء ظهورها حتى يقعد من وراء الأقصى من الطرف الأيسر ، فإذا قعد صاح ؛ فينهض الذي يليه ، ويفعل مثل فعله ، فهذا دأبُهم طول الليل ؛ فهم يبيتون في أرض ويصبحون في أخرى ؛ وفي القرد من قبول التأديب والتعليم ما لا خفاء به عن أحد حتى إنه دُرّب قرد ليزيد بن معاوية على ركوب الحمير والمسابقة عليها ؛ وحكى المسعودي في كتابه المترجم بمروج الذهب : أن القرود في أماكن كثيرة من المعمور ، منها وادي نخلة بين الجَنَد وبلاد زَبيد ، وهو بين جبلين ، وفي كل جبلٍ منهما طائفة من القرود يسوقها هزر ، وهو القرد العظيم المقدّم فيها ؛ قال : ولها مجالس يجتمع فيها خلقٌ كثير منها ؛ فيُسمع لها حديث والإناث بمعزلٍ عن الذكور ، والرئيس متميز على المرؤوس ؛ وباليمن قرود كثيرة في نواحٍ متعددة ؛ منها في ذَمار من بلاد صنعاء في براريَّ وجبالٍ كأنها السحب ؛ وتكون القرود أيضاً بأرض النوبة وأعلى بلاد الحبشة ، وهذا الصنف من القرود حسن الصورة ، خفيف الروح ، مدوّر الوجه ، مستطيل الذنب ، سريع الفهم ، ويسمونه النسناس ؛ ومنها أيضاً بخُلجان الرانج في بحر الصين وبلاد المهراج وفي ناحية الشمال نحو أرض الصقالبة ضرب من القرود منتصب القامات مستدير الوجوه ، والأغلب عليهم صور الناس وأشكالهم ، ولهم شعور ، وربما صيد منها القرد

الصفحة 206