كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
في النادر بالحيلة ، فيكون في نهاية الفهم والدراية ، إلا أنه لا لسان له يعبر به عما في نفسه ، لكنه يفهم كل ما يخاطب به بالإشارة ؛ ومن النواحي التي بها القرود جبل موسى ، وهو الجبل المطلّ على مدينة سبتة من بلاد المغرب ، والقرود التي فيها قباحُ الصور جداً ، وعظام الجثث ، تشبه وجوهها وجوه الكلاب ، لها خُرطوم ، وليس لها أذناب ، وأخلاقها صعبة لا يكاد ينطبع فيها تعليم إلا بعد جهد ؛ وحكى لي بعض المغاربة أنهم إذا أرادوا صيد هذه القرود يتحيلون عليها بأن يصنعوا لها زرابين بقدر أرجلها ، ويلطّخوا نعالها بالصابون ، ويأتوا إلى مكان هذه القرود فيقعدوا حيث تراهم ، ويلبسوا زرابيبهم ويمشوا بها ، ويتركوا تلك الزرابين الصغار ، فتأتي القرود وتلبس الزرابين ، فتخرج عليها الرجال ، فتعدو القرود بتلك الزرابين ، فلا تثبت أرجلها على الأرض وتزلَق ، فتدركها الرجال ويأخذوها . ولم أقف على شعرٍ يتعلق بوصف القرد فأثبته ؛ والله أعلم .
ذكر ما قيل في النعام
والنعامة تسمى بالفارسية : أُشْتُرْمُرْغ ، ومعنى أُشْتُر : جمل ، ومُرغ : طائر ، فكأنهم قالوا : جملٌ طائر ؛ ومن أعاجيبها أنها تضع بيضها عند الحِضان ، وتعطى كل بيضة منها تصيبها من الحَضْن ، لأن بدناه لا يشمل جميع ما تحضنه ، فإنها تحضن أربعين بيضة أو ثلاثين ، وتخرُج لطلب الطعم ، فتمر بطريقها ببيض نعامةٍ أخرى فتحضنه وتنسى بيضها ؛ قال ابن هرمة :
وإني وتركي ندى الأكرمين . . . وقَدْحي بكفّي زَنداً شَحاحا
كتاركة بيضها بالعراء . . . وملبِسةٍ بيض أخرى جَناحا
ويقال : إنها تقسم بيضها أثلاثاً ، منه ما تحضنه ، ومنه ما تجعل صفارة غذاء ، ومنه ما نفتحه وتتركه في الهواء حتى يَعْفَن ، وتتولّد من عُفونته دوابّ ،
الصفحة 207
248