كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)

"""""" صفحة رقم 208 """"""
فتُغذى بها فراخَها إذا خرجت ؛ وكل ذي رجلين إذا انكسرت إحداهما استعان في نهوضه وحركته بالثانية إلا النعامة ، فإنها تبقى في مكانها جاثمةً حتى تهلِك جوعاً ؛ قال الشاعر :
إذا انكسرت رجل النعامة لم تجد . . . على أختها نهضاً ولا باستها حَبْوا والعرب تزعم أن الظليم أصلم ، وأنه عوّض عن السمع بالشم ، فهو يعرف بأنفه ما لا يحتاج معه إلى سمع ، والعرب تقول في أمثالها : " أحمق من نعامة " ، قالوا : لأنها إذا أدركها القانص أدخلت رأسها في كثيب رمل وتقدّر في نفسها أنها قد استخفت منه ؛ والنعام قوي الصبر على العطش ، شديد العدْو ، وأشد ما يكون عدْوه إذا استقبل الريح ، وهو في عدْوه يضع عنقه على ظهره ، ثم يخترق الريح ؛ والنعامة تبتلع العظم والحجر والحديد فيصير في جوفها كالماء ، وتبتلع الجمر ؛ وهو يصاد بالنار كسائر الوحش ، فإنه إذا رأى النار دهش ووقف فيتمكّن منه الصائد .
ما وصفت به النعامة
وقد وصفها إبراهيم بن خفاجة الأندلسي فقال :
ولرب طيّارٍ خفيفٍ قد جرى . . . فشلا بجارٍ خلفه طيّار
من كل فاجرة الخُطا مختالةٍ . . . مشي القناة تجُرّ فضل إزار
مخضوبة المنقار تحسب أنها . . . كَرَعت على ظمأٍ بكأس عُقار
لا تستقر بها الأَداحي خشيةً . . . من ليلِ ويلٍ أو نهار بَوار
وقال الحِماني :
قد ألبس الليل حتى يتثنى خَلَقاً . . . وأركب الهول بالغرّ الغَرانيقِ
وأنتحي لنعام الدَّو مُلهِبةً . . . كأنها بعض أحجار المجانيق
تسدي الرياح بها ثوباً وتلحمه . . . كما تلبّس من نسج الخداريق

الصفحة 208