كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 9)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
الخطاب ، فأبى ، فكلموه أيضاً ، فكتب إلى عمر ، فكتب إليه أيضاً عمر : إن أحبوا فخذها منهم وأرددها ، يعني في فقرائهم .
فدلت هذه الأحاديث والأخبار على أن لا صدقة في الخيل السائمة ولا في الرقيق إذا كانوا للخدمة ، إلا أن يكونوا للتجارة ، فإن كانوا للتجارة ففي أثمانهم أو قيمهم الزكاة إذا حال عليها الحول ، وعلى هذا مذهب الجمهور ، وذهب أبو حنيفة - رحمة الله - دون صاحبيه إلى وجوب الزكاة في الخيل السائمة إذا كانت إناثاً ، أو إناثاً وذكوراً ، وقال : هو مخير بين أن تقوم وتؤخذ الزكاة من القيمة ، وبين أن يخرج عن كل فرس ديناراً ، واحتجوا له بقوله عليه السلام " ثم لم ينس حق الله في رقابهم وظهورها " ، قال المخالف لهم : وليس فيه دليل من وجهين : أحدهما أنه ( صلى الله عليه وسلم ) لما ذكر الإبل السائمة وقال : فيها حق سئل عن ذلك الحق ما هو ؟ فقال : إطراق فحلها وإعارة دلوها ، ومنحة لبنها أو سمنها ، وحلبها على الماء ، وحمل عليها في سبيل الله ، فلما كانت الإبل فيها حق سوى الزكاة احتمل أن يكون في الخيل أيضاً حق سوى الزكاة وقد روي الترمذي وابن ماجة حديث فاطمة بنت قيس ، قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن في المال حقاً سوى الزكاة " وتلا هذه الآية " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب " الخ الآية ، فيجوز أن يحمل الحق في رقابهم وظهورها على هذا الوجه . الثاني أن يحمل الحق فيها على التأكيد لا على الوجوب ، كقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في حديث معاذ : " وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذبهم إذا فعلوا ذلك " ، فهذا محمل قوله عليه السلام : " ثم لم ينس حق الله في رقابهم " وتأويله . قال شيخنا شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي - رحمه الله - : ولنا أن نقول فيه أيضاً : هو مجمل ، والأحاديث المتقدمة مفسرة تقضي عليه ، وظواهرها حجج متضافرة على ترك الزكاة في الخيل ، قال : فهذا وجهه من طريق السنة والأثر ، وأما وجهه من طريق النظر فمن وجهين : أحدهما أن السؤم في الخيل نادر عند العرب فلا زكاة فيها كالبغال والحمير ، الثاني أن الزكاة لو وجبت في الخيل لتعدى ذلك إلى ذكورها قياساً على المواشي من الإبل والبقر والغنم . وقال الطبري
الصفحة 238
248