كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 100 """"""
فتنكسر ؛ فإن عجّزه ذلك استعان بفأر آخر فيعشقها أحدهما بيديه ورجله وينقلب على قفاه ؛ ويقبض الآخر على ذنبه ويتسلّق به في حائط ؛ فإذا ارتفع به عن الأرض ألقاها الحامل لها فتنكسر فيأكلانها جميعاً . أخبرني بذلك من شاهده . والمثل المضروب به في الفساد والسّرقة والنسيان والحذر . وفي طبع الجرذ البرّيّ وعادته أنه لا يحفر بيته على قارعة الطريق خوفاً من الحافر أن يهدم عليه بيته . ويقال : إنه يخلق من الطّين ، وإنه يتولّد بأرض مصر إذا نضب ماء النيل عنها . وقال صاحب كتاب مباهج الفكر : إنه رأى ذلك عياناً في سفط ميدوم من جيزة مصر .
وقال الجاحظ : لعمري إن جرذان أنطاكية لتساجل السّنانير في الحرب ، ولا تقوم لها ولا تقوى عليها إلا الواحد بعد الواحد . قال : وهي بخراسان قويّةٌ جدّاً ، وربما قطعت أذن النائم . قال : ومن الفأر ما إذا عضّ قتل . قال : ومن الأعاجيب في قرض الفأر أنّ قوماً من أهل الفراسة ينظرون إلى قرضه ويتفرّسون منه أحوالاً . ويزعمون أنّ أبا جعفر المنصور نزل في بعض القرى فقرض الفأر مسحاً له كان يجلس عليه ، فبعث به ليرفأ ؛ فقال لهم الرّفّاء : إنّ هاهنا أهل بيت يعرفون بقرض الفأر ما ينال صاحب المتاع من خير وشرّ ، فما عليكم أن تعرضوه عليه قبل إصلاحه ؟ فبعث المنصور إلى شيخهم ؛ فلما نظر إلى موضع القرض وثب قائماً ثم قال : من صاحب هذا المسح ؟ فقال المنصور : أنا ؛ فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ؛ والله لتليّن الخلافة أو أكون جاهلاً أو كذّاباً .
وفي الفأر منافع ذكره الشيخ الرئيس ابن سينا ، فقال : دم الفأر يقلع الثآليل ، وزبله نافع على داء الثعلب وخصوصاً لطخاً بالعسل ، وخصوصاً المحرق . قال : وإذا شوي الفأر وجفّف وأطعم الصبيّ انقطع سيلان اللّعاب من فمه . قال : واتّفق الناس أنّ الفأر إذا شقّ ووضع على لدغ العقرب نفع . والله أعلم .
وقد وصف الشعراء الفأر وشبّهوه في أشعارهم وذكروا سوء فعله . فمن ذلك قول أعرابيّ وقد دخل البصرة فاشترى خبزاً فأكله الفأر :
عجّل ربّ الناس بالعقاب . . . لعامرات البيت بالخراب

الصفحة 100