كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 103 """"""
القراد فقد قالوا : أوّل ما يكون قمقامة وهو الذي لا يكاد يرى من صغره ، ثم يصير حمنانة ثم يصير قراداً ثم يصير حلماً . ويقال للقراد : العلّ والطلح والقتين والبرام والقرشام .
والقراد يخلق من عرق البعير ومن الوسخ والتّلطّخ بالثّلط والأبوال ؛ كما يخلق القمل من عرق الإنسان . وفي طبع القراد أنه يسمع رغاء الإبل من فراسخ فيقصدها ؛ حتى إنّ أصحاب الإبل يبعثون إلى الماء من يصلح لإبلهم الأرشية وآلات السّقي ، فتبيت الرّجال عند البئر تنتظر مجيء الإبل ، فيعرفون قربها من القراد بانبعاثه في جوف الليل وسرعة حركته ومروره ، فإذا رأوا ذلك منه تهيّئوا للعمل . ويقول من اعتنى بالحيوان وتكلّم في طبائعه : إنّ لكل حيوانٍ قراداً يناسب مزاجه .
وهم يضربون المثل بالقراد في أشياء ، فيقولون : " أسمع من قرادٍ " ، و " ألزق من قرادٍ " ، وما هو إلا قراد ثفرٍ . وأنشد الجاحظ لبعض الشعراء في القراد :
ألا يا عباد الله هل لقبيلةٍ . . . إذا ظهرت في الأرض شدّ مغيرها
لا الدّين ينهاها ولا هي تنتهي . . . ولا ذو سلاحٍ من معدٍّ يضيرها
النّمل والذّرّ قال الله عز وجل : " وحشر لسليمان جنوده من الجنّ والإنس والطّير فهم يوزعون . حتّى إذا أتوا على وادي النّمل قالت نملةٌ يأيها النّمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنّكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " . وجاء في الحديث أنّ رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) نزل منزلاً فانطلق لحاجةٍ فجاء من حاجته وقد أوقد رجلٌ على قرية نملٍ إما في شجرةٍ وإمّا في الأرض ؛ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : " من فعل هذا أطفئها أطفئها أطفئها " . وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال : " نزل نبيٌّ من الأنبياء تحت شجرةٍ فعضّته نملةٌ فقام إلى نملٍ كثيرٍ تحت الشجرة فقتلهنّ فقيل له : أفلا نملةً واحدةً " . وعنه رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : " نزل نبيٌّ من الأنبياء تحت شجرةٍ فقرصته نملةٌ فأمر بجهازه فأخرج من تحتها ثم أمر بقرية النّمل فأحرقت فأوحى الله غليه أن قرصتك نملةٌ أهلكت أمّةً من الأمم يسبّحن الله فهلاّ نملةً واحدةً " . وجاء في الأثر : أنّ سليمان بن داود عليهما السلام خرج يستسقي ، فرأى نملةً مستلقيةً على ظهرها رافعةً قوائمها إلى السماء وهي تقول : اللهم إنّا خلقٌ من خلقك ،

الصفحة 103