كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 104 """"""
ليس لنا غنىً عن سقيك ؛ فإما أن تسقينا وترزقنا ، وإما أن تميتنا وتهلكنا . فقال للناس : " ارجعوا ، فقد سقيتم بدعاء غيركم " .
وقال الجاحظ : وكان ثمامة يزعم أنّ النمل ضأن الذّرّ . قال : والذي عندي أنّ النمل والذّر مثل الفأر والجرذ ، والبقر والجواميس . قال : والذّرّ أجود فهماً وأصغر جثّةً .
وزعم ابن أبي الأشعث أنّ النمل لا يتزاوج ولا يتوالد ولا يتلاقح ، وإنما يسقط منه شيءٌ حقير في الأرض فينمو حتى يصير بيظاً فيتكوّن منه .
والنمل من الحيوان المحتال في طلب المعاش يفرّق لذلك ؛ فإذا وجد شيئاً أنذر الباقين فيأتين إليه ويأخذن منه . وكلّ واحد مجتهد في إصلاح شأن العامّة غير مختلسٍ لشيء من الرزق دون صحبه . ويقال : إنما يفعل ذلك منها رؤساؤها ومن تحيّله في طلب الرزق أنه ربما وضع بينه وبين ما يخاف عليه منه ما يمنعه من الوصول إليه من ماءٍ أو شعرٍ ، فيتسلّق في الحائط ويمشي على جذع من السّقف حتى يسامت ما حفظ منه ثم يلقي نفسه عليه . وفي طبعه وعادته أن يحتكر في زمن الصيف لزمن الشتاء . وهو إذا خاف على ما يدّخره من الحبوب من العفن والسّوس أو التّنديّ من مجاورة بطن الأرض ، أخرجها إلى ظاهر الأرض حتى تيبس ثم يعيدها . وإن خاف على الحبّ أن ينبت من نداوة الأرض نقر في موضع القطمير من وسط الحبّة وهو الموضع الذي يبتدئ منه النّبات ؛ ويفلق جميع الحبّ أنصافاً ؛ فإن كان من حبّ الكزبرة فلقه أرباعاً ، لن أنصاف حبّ الكزبرة تنبت . فالنمل من هذا الوجه في غاية الحزم . فسبحان الملهم لا إله غيره .
وليس شيءٌ من الحيوان يقوى على حمل ما يكون ضعف وزنه مراراً غير النملة . والنّمل يشمّ ما ليس له ريحٌ ممّا لو وضعه الإنسان عند أنفه لما وجد له ريحاً . ومن أسباب هلاك النملة نبات الأجنحة لها ؛ فإذا صار النمل كذلك صادته العصافير وأكلته . وفي ذلك يقول أبو العتاهية :
وإذا استوت للنّمل أجنحةٌ . . . حتّى يطير فقد دنا عطبه

الصفحة 104