كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 113 """"""
وإنها تبيض من كل طائر يغشاها ؛ ولهذا تجيء مختلفة الأخلاق . والبازي يصيد ما بين العصفور والكركيّ . ومن عادته أنه إذا أخطأ صيده وفاته وكان في برّيّةٍ لا شجر فيها ولىّ ممعناً حتى يجد كهفاً أو جداراً يأوي إليه ؛ ولهذا علّق عليه الجرس ليدلّ على مكانه إذا خفي .
وصفة الجيّد منه المحمود في فعله أن يكون قليل الريش ، أحمر العينين حادّهما ، وأن تكونا مقبلتين على منسره وحجاجاهما مطلّين عليهما ، ولا يكون وضعهما في جنبي رأسه كوضع عيني الحمام . والأزرق منه دون الأحمر العين ؛ والأصفر دونهما . وسعة أشداقه تدلّ على قوّة الافتراس . ومن صفاته المحمودة أن يكون طويل العنق عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، شديد الانخراط إلى ذنبه ، وأن تكون فخذاه طويلتين مسرولتين بريش ، وذراعاه قصيرتين غليظتين ، وأشاجع كفّيه عاريةً ، وأصابعه متفرّقةً ولا تكون مجتمعةً ككفّ الغراب ، ومخلبه أسود ، ويكون طويل المنسر دقيقه . وأفخر ألوانه الأبيض ثم الأشهب ، وهما لونان يدلاّن على الفراهة والكرم . وأما الأسود الظهر المنقّش الصدر بالبياض والسواد فهو يدلّ على الشدّة والصّلابة . وإن اتفق أن يكون هذا أحمر العين كان نهايةً . وهذا اللون في البزاة كالكميت في الخيل . والأحمر في البزاة أخبثها . وبعض الناس يقول : أشرف البزاة الطّغرل ، ثم البازي التامّ وهو الذي وصفناه آنفاً . والطّغرل : طائرٌ غزيزٌ نادر الوقوع لا يعرفه غير التّرك ، لأنه يكون في بلاد الخزر وما والاها وما بين خوارزم إلى إرمينية ، وهو يجمع صيد البازي والشاهين . وقيل : إنه لا يعقر شيئاً بمخلبه إلاّ سمّه .
وأوّل من صاد البازي لذريق أحد ملوك الروم الأول ؛ وذلك أنه رأى بازياً إذا علا كتف ، وإذا سفل خفق ، وإذا أراد أن يسمو درق ؛ فاتّبعه حتى اقتحم شجرةً ملتفةً كثيرة الدّغل ؛ فأعجبته صورته ، فقال : هذا طائر له سلاحٌ تتزين بمثله الملوك ؛ فأمر بجمع عدّة من البزاة فجمعت وجعلت في مجلسه . فعرض لبعضها أيم فوثب عليه ؛ فقال : ملكٌ يغضب كما تغضب الملوك . ثم أمر به فنصب على كندرةٍ بين

الصفحة 113