كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 115 """"""
ينقضّ على قنيصه شهاباً ، ويلوي به ذهاباً ، ويحرقه توقّداً والتهاباً . وقد أقيم له سابغ الذّنابي والجناح ، كفيلين في مطالبه بالنّجاح . جيّد العين والأثر ، حديد السمع والبصر . يكاد يحسّ بما يجري ببال ، ويسري من خيال . قد جمع بين عزّة مليك ، وطاعة مملوك . فهو بما يشتمل عليه من علوّ الهمّه ، ويرجع إليه بمقتضى الخدمه ؛ مؤهّل لإحراز ما تقتضيه شمائله ، وإنجاز ما تعد به مخايله . وخليق بمحكم تأديبه ، وجودة تركيبه ؛ أن لو مثل له النجم قنصاً ، وأو جرى بذكره البرق قصصاً ؛ لاختطفه أسرع من لحظه ، وأطوع من لفظه ؛ وانتسفه أمضى من سهم ، وأجرى من وهم . وقد أقسم بشرف جوهره ، وكريم عنصره ؛ لا يوجّه مسفّراً ، إلا غادر قنيصه معفّراً ، وآب إلى يد من أرسله مظفّراً ؛ مورّد المخلب والمنقار ، كأنما اختضب بحنّاء أو كرع في عقار .
وله من أبيات يمدح بها :
طرد القنيص بكلّ قيد طريدةٍ . . . زجل الجناح مورّد الأظفار
ملتفّة أعطافه بحبيرةٍ . . . مكحولة أجفانه بنضار
يرمي به الأمد البعيد فينثني . . . مخضوب راء الظّفر والمنقار
الزّرّق وهو الصّنف الثاني من البازي . وهو باز لطيفٌ ، إلا أن مزاجه أحرّ وأيبس ، وهو لذلك أشدّ جناحاً وأسرع طيراناً وأقوى إقداماً . وفيه ختلٌ وخبثٌ ؛ وذلك أنه إذا أرسل على طائر طار في غير مطاره ثم عطف عليه وأظهر الشدّة بعد اللين . وخير ألوانه الأسود الظهر الأبيض الصدر الأحمر العين . ووصفه المحمود منه أن يكون أعدلها خلقاً ، وأقلّها ريشاً ، وأنقلها محملاً ، وأملأها فخذاً ، وأرحبها شدقاً ، وأوسعها عيناً ، وأصغرها رأساً ، وأصفاها حدقةً ، وأطولها عنقاً ، وأقصرها خافيةً ، وأشدّها لحماً ، وأن يكون أخضر الرجلين ، وسيع المخالب ، متعرّياً من اللحم . والله أعلم .
الباشق وهو الصنف الثالث من البازي . وهو أحرّ وأيبس من الزّرّق ، وهو هلعٌ قلقٌ ذعر ، يأنس وقتاً ويستوحش وقتاً . ونفسه قويّة جافيةٌ . فإذا أنس منه الصغير بلغ منه كلّ المراد . وأجود الباشق ما أخذ فرخاً لم يلق من قوادمه ريشة . وهو متى تمّ

الصفحة 115