كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 118 """"""
الانقضاض والصّدم . وهو غير صافٍ بجناحه ولا خافقٍ به . ومتى خفق بجناحه كانت حركته بطيئةً بخلاف البازي . ويقال : إنه أهدأ نفساً من البازي ، وأسرع أنساً بالناس ، وأكثر رضاً وقناعةً . وهو يغتذي بلحوم ذوات الأربع . وهو يعاف المياه ولا يقربها ، وذلك لبرد مزاجه . وفي طبعه أنه لا يركب الأشجار ولا الشوامخ من الجبال ، ولا يأوي إلاّ المقابر والكهوف وصدوع الجبال . وهو ينقى بالتّمعّك في الرّمل والتراب .
ومن صفاته المحمودة الدّالّة على نجابته وفراهته : أن يكون أحمر اللّون ، عظيم الهامة ، واسع العينين ، تامّ المنسر ، طويل العنق والجناحين ، رحب الصدر ، ممتلئ الزّور ، عريض الوسط ، جليل الفخذين ، قصير الساقين والذّنب ، قريب القفدة من القفار ، سبط الكفّ ، غليظ الأصابع فيروزجها ، أسود اللسان . والله الموفّق .
وأوّل من صاد بالصقر وضرّاه الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة . وسبب ذلك أنه وقف في بعض الأيّام على صيّاد قد نصب شبكةً للعصافير ؛ فانقضّ أكدر على عصفور قد علق في الشبكة فجعل يأكله وقد علق الأكدر واندقّ جناحاه ، والحارث ينظر إليه ويعجب من فعله ؛ فأمر به فحمل فرمي به في كسر بيتٍ ووكّل به من يطعمه ؛ وأنس الصقر بالموكّل به ، حتى صار إذا جاءه باللحم ودعاه أجاب ؛ ثم صار يطعمه على يده وصار يحمله . فبينما هو يوماً حامله إذ رأى حمامةً ، فطار عن يده إليها فأخذها وأكلها . فأمر الحارث عند ذلك باتّخاذها وتدريبها والتصيّد بها . فبينا هو يسير يوماً إذ لاحت أرنبٌ فطار الصقر إليها وأخذها ؛ فلما رآه يصيد الطير ازداد به إعجاباً واغتباطاً . واتخذته العرب بعده .
ووصفه الشعراء ؛ فمن ذلك ما قاله كشاجم يصفه :
غدونا وطرف النجم وسنان غائر . . . وقد نزل الإصباح والليل سائر
بأجدل من حمر الصقور مؤدّبٍ . . . وأكرم ما قرّبت منها الأحامر
جريءٌ على قتل الظّباء وإنّني . . . ليعجبني أن يكسر الوحش طائر
قصير الذّنابي والقدامي كأنّها . . . قوادم نسرٍ أو سيوفٌ بواتر

الصفحة 118