كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 121 """"""
وكم من قبّرٍ أطلقنا عليه يؤيؤاً لنا فعرج إلى السماء عروجاًن ولجج في أثره تلجيجاً ؛ فكان ذلك يعتصم منه بالخلاّق ، وهذا يستطعمه من الرّزّاق ؛ حتى غابا عن النّظّار ، واحتجبا عن الأبصار ؛ وصارا كالغيب المرّجم ، والظنّ المتوهّم ؛ ثم خطفه ووقع به وهما كهيئة الطائر الواحد ؛ فأعجبنا أمرهما ، وأطربنا منظرهما .
ذكر ما قيل في الشاهين
والشاهين ثلاثة أصناف ، وهي شاهين ، وأنيقي ، وقطاميّ .
فأما الشاهين واسمع بالفارسية شوذانه ، فعرّبته العرب على ألفاظ شتّى منها : شوذانق وشوذق وشوذنيق وشيذنوق . ويقال : إنه من جنس الصقر إلا أنه أبرد منه وأيبس ؛ ولذلك تكون حركته من العلو إلى السّفل شديدةً . وليس يحلّق في طلب الصّيد على خطّ مستقيم إنما يحوم لثقل جناحه ، حتى إذا سامت الفريسة انقضّ عليها هاوياً من علوٍ فضربها وفارقها صاعداً ؛ فإن سقطت على الأرض أخذها ، وإن لم تسقط أعاد ضربها لتسقط ؛ وذلك دليلٌ على جبنه وفتور نفسه وبرد مزاج قلبه . ومع ذلك كلّه فهو أسرع الجوارح وأخفّها وأشدّها ضراوةً على الصيد . إلاّ أنهم عابوه بالإباق وبما يعتريه من الحرص ؛ حتى إنه ربما ضرب بنفسه الأرض فمات . ويزعمون أنّ عظامه أصلب من عظام سائر الجوارح ؛ ولذلك هو يضرب بصدره ويعلق بكفّه .
وقال بعض من تكلّم في هذا النوع : الشاهين كاسمه . يريد شاهين الميزان ؛ لأنه لا يحتمل أدنى حال من الشّبع ولا أيسر حالٍ من الجوع .
والمحمود من صفاته : أن يكون عظيم الهامة ، واسع العينين حادّهما ، تامّ المنسر ، طويل العنق ، رحب الصدر ، ممتلئ الزّور ، عريض الوسط ، جليل الفخذين ، قصير الساقين ، قريب القفدة من الظهر ، قليل الرّيش ليّنه ، تامّ الخوافي ، دقيق الذّنب ، إذا صلّب عليه جناحيه لم يفضل عنهما شيءٌ منه . فإذا كان كذلك فهو يقتل الكركيّ ولا يفوته . وزعم بعضهم أنّ السّود من الشواهين هي المحمودة ؛ وأن السواد أصل لونها ، وإنما أحالته التّربة . ويكون في الشواهين الملمّع . والله أعلم .
وأوّل من صاد بالشّواهين قسطنطين ملك عمّوريّة . حكي أنه خرج يوماً يتصيّد ، حتى إذا أتى إلى مرج فسيح نظر إلى شاهين ينكفئ على طير الماء ؛ فأعجبه ما

الصفحة 121