كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 125 """"""
والنّسر يوصف بحدّة حاسّة البصر ؛ حتى إنه يقال : إنه يرى الجيفة عن مسافة أربعمائة فرسخ . وكذلك حاسّة الشّمّ ؛ إلا أنّه إذا شمّ الطّيب مات . وهو أشد الطير طيراناً وأقواها جناحاً ؛ حتى زعموا أنه يطير ما بين المشرق والمغرب في يوم واحد . وهذا القول أراه من التّغالي فيه . وسائر الجوارح تخافه . وهو شرهٌ نهمٌ رغيبٌ ؛ إذا سقط على الجيفة وامتلأ منها لم يستطع عند ذلك الطيران حتى يثب عدّة وثبات يرفع فيها نفسه في الهواء طبقة بعد طبقةٍ حتى تدخل تحته الرّيح . ومن أصابه بعد امتلائه وأعجله عن الوثوب أمكنه ضربه إن شاء بعصا وإن شاء بغيرها . قالوا : والأنثى تخاف على بيضتها وفراخها من الخفّاش فتفرش في وكرها ورق الدّلب ليفرّ منه . والنّسر أشدّ الطير حزناً على فراق إلفه ؛ يقال : إن الأنثى إذا فقدت الذّكر امتنعت عن الطّعم أياماً ولزمت الوكر ؛ وربما قتلها الحزن . وهو طويل العمر ؛ يقال : إنّه يعمّر ألف سنة . وفيه ألوان : منها الأسود البهيم ، والأربد وهو لون الرّماد ، والأكدر مثله . وهو يتبع الجيوش طمعاً في الوقوع على جيف القتلى والدّوابّ .
ذكر ما قيل في الرّخم
يقال : إنّ لئام الطير ثلاثة : الغربان ، والبوم ، والرّخم . والرخمة تلتمس لبيضها المواضع البعيدة والأماكن الوحشيّة والجبال الشامخة وصدوع الصخر ؛ ولذلك يضرب المثل ببيض الأنوق . قال الشاعر :
طب الأبلق العقوق فلمّا . . . لم ينله أراد بيض الأنوق
والرّخم من أحبّ الحيوان في العذرة ، لا شيء يحبّها كحبّه إلا الجعل . وقال المفضّل لمحمد بن سهل : إنّا لا نعرف طائراً ألأم لؤماً ولا أقذر طعمةً ولا أظهر موقاً من الرّخمة . فقال محمد بن سهل : وما حمقها وهي تحضن بيضها ، وتحمي فراخها ، وتحبّ ولدها ، ولا تمكّن إلاّ زوجها ، وتقطع في أوّل القواطع ، وترجع في أوّل الرّواجع ، ولا تطير في التّحسير ، ولا تغترّ بالشّكير ، ولا تربّ بالوكور ، ولا تسقط على الجفير .

الصفحة 125