كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 126 """"""
قال الجاحظ : أمّا قوله : تقطع في أوّل القواطع وترجع في أوّل الرّواجع ، فإنّ الرّماة وأصحاب الحبائل والقنّاصّ إنما يطلبون الطير بعد أن يعلموا أنّ القواطع قد قطعت ، فبقطع الرخمة يستدلّون ، فلا بدّ للرّخمة من أن تنجو سالمةً إذ كانت أوّل طالع عليهم . وأمّا قوله : ولا تطير في التّحسير ولا تغترّ بالشّكير ؛ فإنها تدع الطيران أيام التحسير ، فإذا نبت الشّكير وهو أوّل ما ينبت من الريش فإنها لا تنهض حتى يصير الشكير قصباً . وأما وقوله : ولا تربّ بالوكور ، فإن الوكور لا تكون إلا في عرض الجبل ، وهي لا ترضى إلا بأعالي الهضاب ثم بمواضع الصّدوع وخلال الصخور حيث يمتنع على جميع الخلق المصير إلى أفراخها ؛ ولذل قال الكميت :
ولا تجعلوني في رجائي ودّكم . . . كراجٍ على بيض الأنوق احتبالها
وأمّا قوله : ولا تسقط على الجفير ، فإنما يعني جعبة السهام . يقول : إذا رأته علمت أنّ هناك سهاماً فلا تسقط في موضع تخافي فيه وقع السهام .
قال : والرّخم من الطير التي تتبع الجيوش والحجّاج لمّا يسقط من كسرى الدّواب . وإذا فقدت الميتة عمدت إلى العظم فحملته وارتفعت به في الهواء ثم تلقيه فيقع على الصخور فينكسر فتأكل ما فيه . والله أعلم بالصواب .
ذكر ما قيل في الحدأة
قالوا : والحدأة تبيض بيضتين ، وربما باضت ثلاثاً وخرج منها ثلاثة أفرخ . وهي تحضن عشرين يوماً . ومن ألوانها الأسود والأربد . ويقال : إنها لا تصيد وإنما تخطف . وهي تقف في الطيران ، وليس ذلك لغيرها من الكواسر . وزعم ابن وحشيّة : أنّ العقاب والحدأة يتبدّلان ، فتصير الحدأة عقاباً والعقاب حدأةً . وهذا أراه من الخرافات . ويقال : إنّ الحدأة من جوارح سليمان عليه السلام وإنها امتنعت من أن تؤلّف أو تملك لغيره ، لأنها من الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده . وهي لا تختطف إلا من يمين من تختطف منه دون شماله . وليس فيها لحمّ ، وإنما عظامٌ وعصبٌ وجلدٌ وريشٌ . ولم أقف على شعر فيها فأضعه .

الصفحة 126