كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 127 """"""
ذكر ما قيل في الغراب
قالوا : والغراب أصنافٌ ، وهي الغداف والزّاغ الأكحل والزاغ الأورق . والغراب يحكي جميع ما يسمعه ، وهو في ذلك أعجب من الببّغاء . ويقال : إنّ متولّي ثغر الإسكندريّة أهدى إلى السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس غراباً أبيض ؛ وهو غريبٌ نادر الوقوع . ويقال في صوت الغراب : نغق ينغق نغيقاً ، ونعب ينعب نعيباً . فإذا مرّت عليه السنون الكثيرة وغلظ صوته قيل فيه : شحج يشحج شحيجاً . وفي طبعه الاستتار عند السّفاد وهو يسفد مواجهةً ، ولا يعود إلى الأنثى إذا سفدها أبداً ، وذلك لقلّة وفائه .
قال الجاحظ : وإذا خرج الفرخ حضنته الأنثى دون الذكر ، ويأتيها الذّكر بالطّعم . قال : والغراب من لئام الطير وليس من كرامها ، ومن بغائها وليس من أحرارها ، ومن ذوات المخالب المعقّفة والأظفار الجارحة ، ومن ذوات المناقير وليس من ذوات المناسر ؛ وهو مع ذلك قويّ البدن ، لا يتعاطى الصيد ، وربما راوغ العصفور . ولا يصيد الجرادة إلا أن يلقاها في سدّ من جراد . وهو إن أصاب جيفةً نال منها وإلا مات هزالاً . ويتقمّم كما تتقمّم بهائم الطير وضعافها . وليس ببهيمة لمكان أكله الجيف ؛ وليس بسبع لعجزه عن الصيد .
قال : وهو إمّا أن يكون حالك السواد شديد الاحتراق ، ويكون مثله من الناس الزّنج لأنهم شرار الناس وأردأ الخلق تركيباً ومزاجاً ، فلا تكون له معرفة ولا جمال ؛ وإما أن يكون أبقع فيكون اختلاف تركيبه وتضادّ أعضائه دليلاً على فساد أمره . والبقع ألأم من السّود وأضعف . قال : ومن الغربان غراب الليل ، وهو الذي ترك أخلاق الغربان وتشبه بأخلاق البوم . وقد رأيت أنا ببلنياس ، وهي على ساحل البحر الروميّ ، غرباناً كثيرة جدّاً ، فإذا كان وقت الفجر صاحت كلّها صياحاً عظيماً مزعجاً ؛ فهم يعرفون طلوع الفجر بصياحها .
قال : ومنها غراب البين ؛ وهو نوعان : أحدهما غربان صغار معروفة بالضّعف واللؤم . والآخر إنما لازمه هذا الاسم لأنّ الغراب إذا بان أهل الدار للنّجعة وقع في

الصفحة 127