كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 128 """"""
مواضع بيوتهم يتلمّس ويتقمّم ، فتشاؤموا به وتطيّروا منه ، إذ كان لا يلمّ بمنازلهم إلا إذا بانوا منها ؛ فسمّوه غراب البين . ثم كرهوا إطلاق ذلك الاسم مخافة الزّجر والطّيرة ، وعلموا أنه نافذ البصر صافي العين ، فسمّوه الأعور ؛ من أسماء الأضداد . قال : والغدفان جنسٌ من الغربان ؛ وهي لئام جدّاً . ومن أجل تشاؤمهم بالغراب استقّوا من اسمه الغربة والاغتراب والغريب . والعرب يتعايرون بأكل لحوم الغربان . وفي ذلك يقول وعلة الجرّميّ :
فما بالعار ما عيرّتمونا . . . شواء النّاهضات مع الخبيص
فما لحم الغراب لنا بزادٍ . . . ولا سرطان أنهار البريص
والغربان من الأجناس التي تقتل في الحلّ والحرم ، وسمّيت بالفسق .
قال الجاحظ : وبالبصرة من شأن الغربان ضروبٌ من العجب ، لو كان ذلك بمصر أو ببعض الشامات كان عندهم من أجود الطّلّسمات ؛ وذلك أنّ الغربان تقطع إلينا في الخريف فترى النخيل وبعضها مصرومٌ وعلى كل نخلة عددّ كثير من الغربان ؛ وليس فيها شيء يقرب نخلةً واحدةً من النخيل التي لم تصرم ولو لم يبق عليها إلا عذق واحد . قال : فلو أنّ الله تعالى أذن للغراب أن يسقط على النخلة وعليها التمر لذهب جميعه . فإذا صرموا ما على النخلة تسابق الغربان إلى ما سقط من التمر في جوف القلب وأصول الكرب تستخرجه وتأكله .
ومما يتمثّل به في الغراب : يقولون : " أحذر من غراب " . و " أصحّ من غراب " . و " أصفى نظراً من غراب " . و " أسود من غراب " .
ومما وصفت به الغربان ، فمن ذلك قول عنترة :
حرق الجناح كأن لحي رأسه . . . جلمان بالأخبار هشٌّ مولع
وقال الطّرمّاح بن حكيم :

الصفحة 128