كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 135 """"""
وما ذاك إلاّ الدّيك شارب خمرةٍ . . . نديم غراب لا يملّ الحوانيا
فلما استقلّ الصبح نادى بصوته . . . ألا يا غراب هل رددت ردائيا
فقال الأصمعيّ : إنّ العرب كانت تزعم أنّ الدّيك كان ذا جناحٍ يطير به في الجوّ وأنّ الغراب كان ذا جناح كجناح الدّيك لا يطير به وأنهما تنادما ليلةً في حانة يشربان فنفذ شرابهما ، فطار ولم يرجع إليه ؛ فزعموا أنّ الديك إنما يصيح عند الفجر استدعاءً لجناحه من الغراب ؛ فضحك الأعرابيّ وقال : وما أنت إلا شيطان . وهذه الحاكية ذكره الجاحظ في كتاب الحيوان بنحو ما حكي عن الأصمعيّ ، وساق أبيات أميّة بن أبي الصّلت ، وهي :
ولا غرو إلاّ الديك مدمن خمرةٍ . . . نديم غرابٍ لا يملّ الحوانيا
ومرهنه عند الغراب جبينه . . . فأوفيت مرهوناً وخان مسابيا
أدلّ عليّ الدّيك أنّي كما ترى . . . فأقبل على شأني وهاك ردائيا
أمنتك لا تلبث من الدهر ساعةً . . . ولا نصفها حتى تؤوب مآبيا
ولا تدركنّك الشمس عند طلوعها . . . فأغلق فيهم أو يطول ثوائيا
فردّ الغراب والرداء يحوزه . . . إلى الدّيك وعداً كاذباً وأمانيا
بأيّة ذنبٍ أو بأيّة حجّةٍ . . . أدعك فلا تدعو عليّ ولا ليا
فإني نذرت حجّةً لن أعوقها . . . فر تدعونّي دعوةً من ورائيا
تطيّرت منها والدّعاء يعوقني . . . وأزمعت حجّاً أن أطير أماميا
فلا تيأسن إني مع الصبح باكراً . . . أوافي غداً نحو الحجيج الغواديا
كحب امرئٍ فاكهته قبل حجّتي . . . وآثرت عمداً شأنه قبل شأنيا
هنالك ظنّ الدّيك أن زال زوله . . . وطال عليه الليل أن لا مفاديا
فلما أضاء الصبح طرّب صرخةً . . . ألا يا غراب هل سمعت ندائيا
على ودّه لو كان ثمّ يجيبه . . . وكان له ندمان صدقٍ مواتيا
وأمسى الغراب يضرب الأرض كلّها . . . عتيقاً وأضحى الدّيك في القدّ عانيا

الصفحة 135