كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 146 """"""
والخفّاش عدوّ الخطّاف ؛ فهو إذا فرّخ وضع في أعشاشه قضبان الكرفس ، فلا يؤذي فراخه إذا شمّ رائحة الكرافس . وهو لا يفرّخ في عشٍّ عتيقٍ حتى يطيّنه بطينٍ جديدٍ . وهو يبني عشّه بالطين والتّبن . فإذا لم يجد طيناً مهيّأً ألقى نفسه في الماء ثم تمرّغ في التّراب حتى يمتلئ جناحاه ثم يجمعه بمنقاره . وهو يسوّي في الطّعم بين فراخه . ولا يترك في عشّه زبلاً بل يلقيه خارجاً . وأصحاب اليرقان يلطّخون فراخ الخطّاف بالزعفران ؛ فإذا رآها صفراً ظنّ أنّ اليرقان أصابها من شدّة الحرّ ، فيذهب ويأتيها بحجر اليرقان فيطرحه على الفراخ ، وهو حجرٌ أصفر ، فيأخذه المحتال فيعلّقه على نفسه أو يحكّه ويشرب من مائه يسيراً فيبرأ . والخطّاف متى سمع صوت الرّعد مات .
وقال الشيخ الرئيس أبو عليّ بن سينا : قال ديسفوريدس : إنّ أوّل بطن للخطّاف إذا شقّ وجد فيه حصاتان ، إحداهما ذات لونٍ واحد والأخرى ذات ألوانٍ كثيرة ، إذا جعلتا في جلد عجلٍ قبل أن يصيبه ترابٌ وربط على عضد المصروع ورقبته انتفع به ، قال : وقد جرّبت ذلك وأبرأ المصروع . قال : وأكل الخطّاف يحدّ البصر ، وقد يجفّف ويسقى . والشربة منه مثقالٌ . وقيل : إنّ دماغه بعسل نافعٌ من ابتداء الماء ، وكذلك دماغ الخفاش . قال : وإن ملّح الخطّاف وجفّف وشرب منه درهمان نفع من الخناق . قال بعض الأطباء : المشهور عند الأطباء أن عشّ الخطّاف إذا حلّ في ما ء وصفّي وشرب سهّل الولادة .
وقد ألمّ الشعراء في أشعارهم يوصف الخطّاف ؛ فمن ذلك ما قاله أبو إسحاق الصّابي :
وهنديّة الأوطان زنجيّة الخلق . . . مسوّدة الأثواب محمرّة الحدق
كأنّ بها جزناً وقد لبسن له . . . حداداً وأذرت من مدامعها العلق
إذا صرصرت صرّت بآخر صوتها . . . كما صرّ العود بالوتر الحزق
تصيف لدينا ثم تشتو بأرضها . . . ففي كلّ عامٍ نلتقي ثم نفترق
وقال السّريّ الرّفاء يصفها من أبيات ويذكر غرفةً :
وغرفتنا بين السحائب نلتقي . . . لهنّ عليها كلّةٌ ورواق
تقسّم زوّارٌ من الهند سقفها . . . خفافٌ على قلب النديم رشاق

الصفحة 146