كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 148 """"""
وأمّا الزّرزور
فيقال : إنه ضربٌ من الغراب يسمّى الغداف ؛ ويقال : إنه الزّاغ . وهو يقبل التعليم ، ولا يرى إلاّ في أيام الربيع . ولونه أرقط لكن السواد أغلب . وقد يوجد في لونه الأبيض ، وهو قليل جدّاً .
وقال بعض شعراء الأندلس :
يا ربّ أعجم صامتٍ لقّنته . . . طرف الحديث فصار أفصح ناطق
جون الإهاب أعير قوّة صفرةٍ . . . كاللّيل طرّزه وميض البارق
حكمٌ من التّدبير أعجزت الورى . . . ورأى بها المخلوق لطف الخالق
وقال آخر :
أمنبرٌ ذاك أم قضيب . . . يقرعه مصقعٌ خطيب
يختال في بردتي شباب . . . لم يتوضّح بها مشيب
أخرس لكنّه فصيحٌ . . . أبله لكنّه لبيب
وقال الوزير أبو القاسم بن الجدّ الأندلسيّ من رسالة كتبها إلى الوزير أبي الحسن ابن سراج جواباً عن رقعةٍ وصلت منه إليه ، يشفع لرجل يعرف بالزّريزير ؛ ابتدأها بأن قال : حسنت لك أبا الحسن ضرائب الأيام ، وتشوّفت نحوك غرائب الكلام ، واهتزّت لمكاتبتك أعطاف الأقلام ، وجادت على محلك ألطاف الغمام ، وأشادت بفضلك ونبلك أصناف الأنام . فإن كان روض العهد أعزّك الله لم يصبه من تعهّدنا طلٌّ ولا وابل ، ولا سجعت على أيكه ورقٌ ولا بلابل ؛ فإن أزهاره على شرب الصّفاء نابته ، وأشجاره في ترب الوفاء راسخةٌ ثابته . وقد آن الآن لعقم شجره أن تطلع من الثمر ألواناً ، ولعجم طيره أن تسجع من النّغم ألحاناً ؛ بما سقط لديّ ووقع عليّ من طائرٍ شهيّ الصفير ، مبنيّ الاسم على التصغير ؛ فإنه رجّع باسمك حيناً ، وابتدع في نوبة شكرك تلحيناً ، وحرّك من شوقي إليك سكوناً ، ودمّث في قلبي لودّك وكوناً . ثم أسمعني أثناء ترنّمه كلاماً وصف به نفسه ، ولو تغنّت به الورقاء ، لأذنت له العنقاء ؛ أو ناح بمثله الحمام ، لبكى لشجوه الغمام ؛ أو سمعه قيس ابن عاصم في ناديه ، وبين

الصفحة 148