كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 149 """"""
أغاديه ، لحلّ الزّمع حباه ، واستردّ الطّرب صباه :
كلاماً لو أن البق يزهى بمثله . . . زها البقل واخضرّ الغضا بمصيف
فتلقّيت فضل صاحبه بالتّسليم ، واعترفت بسبقه اعتراف الخبير العليم . وبعد ، فإني أعود إلى ذكر ذلك الحيوان الغرّيد ، والشيطان المريد ؛ فأقول : لئن سمّي بالزّريزير ، لقد صغر للتكبير ؛ كما قيل : حريقيصٌ وسقطه يحرق الحرج ، ودويهيةٌ وهي تلتهم الأرواح والمهج . ومعلومٌ أنّ هذا الطائر الصافر يفوق جميع الطيور في فهم التلقين ، وحسن اليقين . فإذا علمّ الكلام لهج بالتسبيح ، ولم ينطق لسانه بالقبيح ، وتراه يقوم كالنصيح ، ويدعو للخير بلسان فصيح . فمن أحبّ الأتّعاظ ، لقى منه قسّ إيادٍ بعكاظ ؛ أو مال إلى سماع البسيط والنشيد ، وجد عنده نخب الموصليّ للرشيد . فطوراً يبكيك بأشجى من مراثي أربد ، وحيناً يسلّيك بأحلى من أغاني معبد . فسبحان من جعله هادياً خطيباً ، وشادياً مطرباً مطيباً . ولما طار ببلاد الغرب ووقع ، ورقي في أكنافها وصقع ؛ وعاين ما اتّفق فيها في هذا العام من عدم الزيتون ، في تلك البطون والمتون ؛ أزمع عنها فراراً ، ولم يجد بها قراراً ؛ لأن هذا الثمر بهذا الأفق هو قوام معاشه ، وملاك انتعاشه ؛ إليه يقطع ، وعليه يقع ؛ كما يقع على العسل الذّباب ، وتقطع إلى العراد الضّباب ؛ فاستخفّه هائج التذكار ، نحو تلك الأوكار ؛ حيث يكتسي ريشه حريراً ، ويحتشي جوفه بريراً ، ويحتسي قراحاً نميراً . ويغتدي على رهطه أميراً . فخذه إليك ، نازلاً لديك ، ماثلاً بين يديك ؛ يترنّم بالثّناء ، ترنّم الذباب في الرّوضة الغنّاء ؛ وقد هزّ قوادم الجناح ، لعادة الاستمناح ؛ حبّر من لمع الأسجاع ، وما يصلح للانتجاع ؛ واثقاً بأن ذلك القطر الناضر ستنفحه حدائقه ، ولا تلفحه ودائقه ؛ لا سيما وفضلك دليله إلى ترع رياضه ، وفرض حياضه ؛ مع أنه لا يعدم في جانبك حبّاً نثيراً ، وخصباً كثيراً ، وعشّاً وثيراً .
فإذا ما أراد كنت رشاءً . . . وإذا ما أراد كنت قليبا
والله تعالى يكفيه فيما ينو به شرّ الجوارح ، ويقيه شؤم السانح والبارح ؛ بمنّه وكرمه .
السّماني يقال : إن السّماني هو السّلوى . وهو من الطيور

الصفحة 149