كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 150 """"""
القواطع التي لا يعلم من أين تأتي . ويقال : إنه يخرج من البحر المالح ؛ فإنه يرى وهو يطير عليه أوان ظهوره وأحد جناحيه منغمسٌ في الماء والآخر منتشرٌ كالقلع . وأكثر من يعتني بتربيته أهل مصر ويتغالون في ثمنه ويحتفلون بأمره ، حتى ينتهي ثمن جيده إلى ألف درهم بعد أن يباع كلّ عشرة منها بدرهم وأرخص . وهو صنفان : ربيعيّ وطرماهيٌّ ؛ فالرّبيعيّ القادم الراحل . والطّرماهي القاطن في الأرض والبلاد الخصيبة ، ويبيض ويفرّخ فيها كالحجل . وسبب مغالاتهم في أثمانها لأجل كثرة صياحها وعدد أصواتها . وقد وجد فيها ما صاح في الليلة الواحدة إلى الثانية من النهار أربعة آلاف وستمائة صوت . والصوت عندهم أن يفصل بينه وبين الصوت الثاني بسكتة . وهم في تربيت ه يبدءون بإطعامه دقاق القمح وهو القمح الصغير الذي لا يمسكه الغربال لصغره مدّة شهر ؛ وتكون ذلك الوقت مجتمعةً في قفص كبير يسمّونه المرح ؛ ثم يفرد بعد ذلك كلّ سمّانيّ بمفرده في قفص ويطعم الدّخن والشّادانق . ويصيح في مبتدأ أمره مقدار شهر ثمّ يسكت مدّة شهرين . وينقل إلى أقفاص أخر يعتنون بجودتها ويرفعونها على البراريد والبراريد عصيّ تعلّق عليها الأقفاص فيصيح بعد تلك السكتة أربعة أشهرٍ . فإذا دخل فصل الخريف وهبط الماء سكت مدّة شهرين وتقرنص ، ثم يصيح أحياناً ويسكت أحياناً . وهو لا يطول عمره أكثر من سنة ونصف . وأوّل ما يصيح قبل أن يتفصّح بالوعوعة ، وحكاية صوته : وع وع ؛ ثم يصيح بعد ذلك : شقشلق .
وقال الشيخ الرئيس أبو عليّ بن سينا في كتاب الأدوية المفردة : إنه يخاف من أكل لحوم السّماني من التمدّد والتّشنج .
الهدهد والهدهد طائرٌ معروف . وقال الجاحظ فيه : والعرب كانوا يزعمون أن القنزعة التي على رأسه ثوبٌ من الله عزّ وجلّ على ما كان من برّه لأمّه ، لمّا ماتت جعل قبرها في رأسه ؛ فهذه القنزعة عوضٌ عن تلك الوهدة . وهو طائر منتن البدن من جوهره وذاته . والأعراب يجعلون ذلك النّتن شيئاً خامره بسبب تلك الجيفة التي كانت على رأسه . ويستدلّون على ذلك بقول أميّة بن أبي الصّلت حين يقول من أبيات :

الصفحة 150