كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 152 """"""
تحت سقفٍ ولا يستظل به ، بل يهيّء وكره في المواضع المشرفة الفسيحة . وفي طبعه الزّنا والخيانة والسرقة والخبث ؛ والعرب تضرب به المثل في ذلك كلّه . وإذا باضت الأنثى أخفت بيضها بورق الدّلب خوفاً عليه من الخفاش ، فإنه متى قرب منه مذر وفسد وتغير في ساعته . وتقول العرب في أمثالها : " أموق من عقعق " . وهو شديد الاستلاب والاختطاف لما يراه من الحلي الثمين . قال إبراهيم الموصليّ فيه :
إذا بارك الله في طائرٍ . . . فلا بارك الله في العقعق
قصير الذّنابي طول الجناح . . . متى ما يجد غفلةً يسرق
يقلّب عينين في رأسه . . . كأنهما قطرتا زئبق
وكان سبب قوله لهذا الشعر فيه ما حكاه إسحاق بن إبراهيم قال : كان لي عقعقٌ وأنا صبيٌّ قد ربّيته ، وكان يتكلّم بكلّ شيءٍ يسمعه ؛ فسرق خاتم ياقوتٍ كان أبي قد نزعه من إصبعه ودخل الخلاء ثم خرج فلم يجده ، فضرب الغلام الذي كان واقفاً ، فلم يقف له على خبر . فبينا أنا ذات يوم في دارنا إذ أبصرت العقعق قد نبش تراباً وأخرج الخاتم منه ، فلعب به طويلاً ثم دفنه ؛ فأخذته وجئت به إلى أبي ، فسرّ به وقال هذا الشعر .
العصافير والعصافير ضروبٌ كثيرةٌ : منها العصفور البيوتيّ وعصفور الشّوك وعصفور النّوفر . ومن ضروبها القبّرة وحسّون والبلبل .
فأمّا العصفور البيوتيّ ففي طباعه اختلافٌ : ففيه من طبائع سباع الطير أنه يلقم فراخه ولا يزقها ، ويصيد أجناساً من الحيوان كالنّمل إذا طار والجراد ، ويأكل اللّحم . والذي فيه من طباع بهائم الطير أنه ليس بذي مخلبٍ ولا منسرٍ ؛ وهو إذا سقط على عودٍ قدم أصابعه الثلاث وأخّر الدّابرة ؛ وسباع الطير تقدّم إصبعين وتؤخّر إصبعين ؛ ويأكل الحبّ والبقول . ويتميّز الذكر منها من الأنثى بلحيةٍ سوداء . وهو لا يعرف المشي وإنما يرفع رجليه ويثب . وهو كثير السّفاد ، وربما سفد في الساعة الواحدة خمسين مرّةً ، ولذلك عمره قصيرٌ فإنّه لا يعمّر غالباً أكثر من سنةٍ ؛ وإناثها تعمّر أكثر من ذكورها . والمثل يضرب في التحقير والتصغير بأحلام العصافير .
قال دريد بن الصّمّة :
يا آل سفيان ما بالي وبالكم . . . أنتم كبيرٌ وفي الأحلام عصفور

الصفحة 152