كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 155 """"""
أكرم المغارس والمنابت ، فكيف وأنتم بين رمليّ وجبليّ ، ونهبوريّ أو تيهوريّ . وهب أنك ورهطك تفرّدتم بممايلة القدود ، وتوحّدتم بمشابهة الخدود ؛ وصرتم درر البحور ، وعلّقتم على الجباه والنّحور ؛ وتحوّلتم جماناً ومرجاناً ، وحلّيتم مناطق وتيجاناً ؛ أقدرتم على مباراة الشحارير ، ومجاراة القماري النّحارير أم ملكتم تهييج البلابل ، قبل أصوات البلابل أم وجدتم سبيلاً إلى ولوج القلوب والأسماع ، واتّخاذ الطّرب والسّماع ؟ هيهات هيهات ، بعد عنكم ما فات بل نحن ذوات الأطواق ، وبنات الغصون والأوراق ؛ إنما يكمل صيتكم بنغمات أصواتنا ، ويزهو غناؤكم بصحة غنائنا ؛ ويحسن تمايل دوحكم بترنّمنا ونوحنا ، ويروق غديركم بهديرنا ، ويشوق تهديلكم بهديلنا . لم تزالوا حملة أثقالنا ، ومهود أطفالنا ؛ وجياد شجعاننا ، ومنابر خطبائنا . فروعكم محطّ أرحلنا ، ورءوسكم مساقط أرجلنا . إذا أوفى مطربنا على عوده ، وعبث بملوي عوده ؛ وشدّ المثالث والمثاني ، وشدّ الثّقيلين الأوّل والثاني ؛ فقد أحيا باللّحن الأيكيّ ، وبذّ يحيى المكّيّ ؛ وأعاد إبراهيم ، كحاطب الليل البهيم ؛ وخرق له أثواب مخارق طرباً وحسداً ، ولم يسلم منه سليم غيظاً وكمداً ؛ وأخذ قلب ابن جامع بمجامعه ، وطوّقه من الإقرار غلاًّ بمجامعه ؛ حتى كأنّه بصحّة ضربه وإتقان أوتاره ، يطلب عندهم قديم أحقاده وأوتاره .
فهي تصبي الأبصار لوناً قريباً . . . وتسرّ الأسماع ضرباً بعيدا
خضب الكفّ من دم القلب وابتتتزّ سويداءه فطوّق جيدا
أعجميّ اللّسان مستعرب اللح . . . ن يعيد الخليّ صبّاً عميدا
كلّ وقتٍ تراه من فرط شجوٍ . . . مظهراً في الغناء لحناً جديدا
تارةً يجعل النّشيد بسيطاً . . . ويعيد البسيط طوراً نشيدا

الصفحة 155