كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 10)

"""""" صفحة رقم 167 """"""
وقد باضتا منه ، وهو يحضن مع هذه ومع تلك ويزقّ مع هذه ومع تلك ، ورأيت أنثى تبيض بيضةً ، ورأيت أنثى تبيض في أكثر حالاتها ثلاث بيضات . قال : ورأيت حمامةٌ تزاوج هذا الحمام ثمّ لتحوّل منه إلى آخر ، ورأيت ذكراً فعل مثل ذلك في الإناث ، ورأيت الذكر كثير النّسل قوياً على القمط .
قال الجاحظ : والحمام يبيض عشرة أشهر من السنة ؛ فإذا صانوه وحفظوه وأقاموا له الكفاية وأحسنوا تعهّده باض في جميع السنة . والفواخت والأطرغلاّت والحمام البرّيّ تبيض مرّتين في السنة . قال : ويتمّ خلق الحمام في أقلّ ن عشرة أيّامٍ . والحمامة في أكثرها أمرها يكون أحد فرخيها ذكراً والآخر أنثى ؛ وهي تبيض أوّلاً البيضة التي فيها الذكر ثم تقيم يوماً وليلةً وتبيض الأخرى . وتحضن ما بين السبعة عشر يوماً إلى العشرين . والأنثى أبرّ بالبيض ، والذكر أبرّ بالفراخ . ولقد أطنب أبو عثمان الجاحظ وأوغل وبسط القول في ذكر الحمام وأوصافه ومناقبه والمغالاة في ثمنه والحرص على اقتنائه ، حتى إنه قال : وللحمام من الفضيلة والفخر أنّ الحمام الواحد يباع بخمسمائة دينار ؛ ولم يبلغ ذلك باز ولا شاهين ولا عقابٌ . قال : وأنت إذا أردت أن تتعرّف مبلغ ثمن الحمام الذي جاء من الغاية ثم دخلت بغداد والبصرة ، وجدت ذلك بلا معاناة . وهذا يدلّ على أنّ قوله فيه كان مشهوراً عندهم في وقته . ثم قال : والحمام إذا جاء من الغاية بيع الذّكر من فراخه بعشرين ديناراً وأكثر ، وبيعت الأنثى بعشرة دنانير وأكثر وبيعت البيضة بخمسة دنانير ؛ فيقوم الزوج منها من الغلة مقام ضيعةٍ ، حتى ينهض بمؤونة العيال وبقضاء الدّين ، وتبني من غلاّته وأثمان رقابه الدّور والجنان وتبتاع الحوانيت . ثم وصف حجر الحمام ومقاصيرها المبنيّة في ذلك الزمان وما يعانيه أهلها من حديثها والاحتفال بها في المسابقة وغيرها . وأطال في ذلك . وقال : وللحمام من حسن الاهتداء ، وجودة الاستدلال ، وثبات الحفظ والذّكر ، وقوّة النزاع إلى أربابه ، والإلف لوطنه ، أن يكون طائراً من بهائم الطير يجيء من مسافة كذا إلى مسافة كذا . قال : ولن ترى جماعة طيرٍ أكثر طيراناً إذا كثرن من الحمام ؛ فإنّهنّ كلما التففن وضاق موضعهنّ كان أشدّ لطيرانهنّ . قال النابغة :
واحكم كحكم فتاة الحيّ إذ نظرت . . . إلى حمامٍ شراعٍ وارد الثّمد

الصفحة 167